الخرافات لا جنس لها، ولا دين ولا لون. آخر صيحة في عالم “التخاريف” ما قام به بعض المتطوعين ضمن جمعية مسيحية مقرها الولايات المتحدة، حين خرجوا إلى الشارع الأسبوع الفارط، ليحذروا الناس من أن يوم القيامة يقترب جداً، وسيكون في 21 مايو (أيار) على وجه الدقة!
وهو ما يعني أن يوم القيامة هو اليوم، كفانا الله وإياكم الشرور، وأحسن خاتمتنا وإياكم!
أعضاء جماعة فاميلي راديو الدينية -وهي شبكة إذاعية مسيحية في الولايات المتحدة- طافوا في الشوارع الرئيسية في مانيلا ووزعوا منشورات على المارة تحذر من أن يوم القيامة بات وشيكاً، لم ينته الخبر الطريف بل تنبأ رئيس الجماعة “هارولد كامبينج” بذلك الموعد ليس من خلال إحساسٍ اعتباطي وإنما من خلال سلسلة من الحسابات الرياضية والرموز الخاصة بقصة الطوفان الواردة في الكتب المقدسة!
لا شك أن يوم القيامة لدينا نحن المسلمين لا يعلمه إلا الله، لكن حتى بعض المسلمين حين اندلعت الثورات ربطوا أحاديثهم بـ”أشراط الساعة”، واجتروا أحاديث معظمها ليس صحيحا، بل هي أحاديث ضعيفة في كثيرٍ من الأحايين.
كتبتُ من قبل أنه وحتى في أوروبا قارة العلوم والعقلانية والمعارف توجد خرافات، تجعلك تستلقي على قفاك من الضحك والسخرية. تجد هذا مبسوطاً في كتاب: “معجم الخرافات والمعتقدات الشعبية في أوروبا”، من تأليف: بيار كانافاجيو. تخيلوا في بعض دول أوروبا: “النمساوي يخاف من قوس قزح، الهر الأسود يسمى لدى بعضهم (الشيطان الفضي)، والبعض ينزع خصلةً من ذنب البقرة قبل بيعها، فيما تتجنب بعض الفتيات الأوروبيات المرور بين شجرتي تين” خوفاً من الحسد! كل تلك الخرافات وسواها تبين أن المجتمعات مهما تطورت فإن القابلية للخرافة لدى البعض تبقى حاضرة وبقوة!
قال أبو عبدالله غفر الله له: من خرافات أوروبا إلى تفاسير مجتزأة لأشراط الساعة، وليس نهاية بتحديد مسيحي لليوم الحادي عشر من مايو أيار، بوصفه يوماً للقيامة، كل تلك التوقعات والتكهنات منفصلة عن العقل والتأمل، ومن عظمة يوم القيامة أنه بقي غير معلوم، وفي الآية الكريمة: “وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً”.
وأختم بطرفة، فقد وعد جماعةٌ إمامَ مسجدهم بهدية ساعة، فتأخروا عليه بالهدية الموعودة، فقرأ عليهم في صلاة جهرية يوماً: (يَسْـئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً )، ثم في صلاة تالية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـهَا )، ثم في صلاة ثالثة جهرية قرأ عليهم من الأعراف: (يَسْألونكَ عن السَّاعةِ أيَّانَ مُرساها قُل إِنّما عِلْمُها عندَ ربِّي لا يجليها لوقتها إلا هُوْ ثَقُلت في السَّمواتِ والأرض لا تأْتيكُم إلا بَغْتَة يَسْألونَك كأنَّك حَفِي عنها قل إنما عِلمُها عِندَ الله) ثم في صلاة جهرية رابعة قرأ عليهم من الأحزاب: ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً )، فعلم القوم أنهم تأخروا بهديتهم على الرجل، ووصلوه بساعة!