كاتب هذه السطور بجوار البحر الميّت الآن، من الضفة الثانية أرى فلسطين المحتلة “إسرائيل”، شعورٌ غريب وعجيب أن ترى هذا الاستيطان، وما هو أغرب من شعوري نحو الاحتلال أسفي على الخلاف بين الفلسطينيين!
تخيلوا؛ كنا أمام قضية واحدة، وأصبحنا الآن بين قضيتين فلسطينيتين، ودولتين، دولة حماس، ودولة فتح. بينما إسرائيل تنعم بالأمن، كانت إسرائيل هي التي تحتاج السلام، وبعد أن انفضّ سامر الفلسطينيين صاروا وحدهم، يحتاجون إلى السلام أكثر من غيرهم. شعورٌ محزن وغريب أن ترى الأرض التي رضعت قضيتها منذ الصغر، ودفعت مصروفك اليومي منذ الصغر للتبرع لها أن ترى كل شموخ تلك القضية قد غاب، بل صار في ذمة التاريخ.
قبل أمس كان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان في الأردن، رعايةً للمصالحة بين الفلسطينين واطمئناناً على عملية السلام العربية. لا أدري عن التفاصيل، لكنني مجرد مواطن عربي يتكئ على أريكة قرب البحر الميت ويأمل؛ آمالا بحجم الأرض والسماء، كيف كانت هذه القضية الفلسطينية ملء السمع والبصر، وهي اليوم مجرد تسلية إعلامية. وحينما حاولتُ العثور على ما يمكن أن يمدّني بالأمل لحلّ هذه القضية لم أجد إلا تصريحات تتنابز بين رؤساء حركة فتح، ورؤساء حركة حماس.
نشر موقع “الجزيرة. نت” التصريح التالي في 2-7-2010 جاء فيه: “رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) شروطا جديدة وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وضع الشروط لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وذلك في وقت اعتبرت فيه حركة التحرير الفلسطيني (فتح) أن أي حكومة ستترتب على المصالحة يجب أن تعترف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن عباس قوله -خلال لقائه صحفيين إسرائيليين برام الله- إن السلطة الفلسطينية لن توقع على اتفاق مصالحة مع حركة حماس دون اعترافها بمبادرة السلام العربية وببنود خارطة الطريق”.
قلتُ: بكل غمرة البحر الميّت –عليه رحمة الله- أكاد أستمع إلى أنين الجوعى والمكلومين في فلسطين، وإلى الذين لا يمتّون إلى الساسة بصلة، من الذين يبحثون عن لقمة العيش، أولئك هم الذين أتضامن معهم الآن، بعيداً عن انتماءاتهم المتنوعة، وعن اعتناقاتهم الأيديولوجية. لهذا أقول وبكل اطمئنان هناك قضية فلسطينية واحدة، هي قضية الشعب الفلسطيني نفسه، بالأطفال والأرامل واليتامى، إنها قضية الشعب وحده هي التي أتضامن بكل أطرافي معها، أنا مع فلسطين، لا مع قضية حماس، ولا مع قضية فتح. أنا مع الإنسان الفلسطيني الذي لا أتمنى أن يموت كما هذا البحر الذي أمامي الذي مات، دون أن يقيم له أحد سرادق عزاء … حتى!