أعترف أن رئيس الوزراء الإيطالي، رجل الأعمال البارز، المثير للجدل، سيلفو برلسكوني، شخصية محببة لي. فأنت إن اتفقت مع هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 68 عاما، أو اختلفت إلا أن شخصيته المثيرة، وروحه المرحة، وصدقه الذي يعتبره بعض المحبين سذاجة، ومعظم الأعداء كذباً وتصنعاً، كل ذلك يشكل نسيجاً مثيراً لاهتمامي ومتابعتي على الصعيد الشخصي.
هذا الإيطالي يمكن «عيّار» من الدرجة الأولى كما نقول عنه في نجد، أي ان الطرفة لا تفارق لسانه، واذا حبكت النكتة اطلقها دون حساب، دون مراعاة لصعوبة وضعه كسياسي يحسب كلامه بالسانتميتر..
مرة اقترح برلسكوني على احد مندوبي ألمانيا في الاتحاد الأوروبي ان يمثل دور حارس معسكر إبادة في فيلم عن النازيين، فضجت الاوساط السياسية الألمانية وطلبت المانيا اعتذاراً رسمياً، لكن العيار الايطالي قال ان الموضوع لا يتعدى كونه مزحة، وكأنه يقول: خففوا دمكم شوي يا جماعة!
وأصيب رئيس وزراء بولندا في تحطم مروحية، فحضر القمة الأوروبية مقعداً على كرسي متحرك، فأخذ برلسكوني يتحدث عن قصته مع زوجته عندما كانا على متن مروحية تطير فوق جموع متظاهرين، فقال لها: لو ألقيت ورقة ألف يورو فإنها ستجعل أحدهم سعيداً، ولو ألقينا ألفاً أخرى، فسنجعل اثنين سعيدين، كما اننا لو القينا عشرة آلاف فسنجعل عشرة سعداء، ثم توجه إلى الطيار وقال له: يمكننا ايضاً إلقاؤك أنت وإسعاد الجميع. وعلى الفور انخرط العيار الايطالي في نوبة ضحك، لكن رئيس الوزراء البولندي عبس بوجهه معتبراً الحديث عن المروحيات وهو في حالة إعاقة منها ثقالة دم!
ذات يوم أثار برلسكوني زوبعة اعلامية في ايطاليا، وإثارة الزوابع هواية محببة للملياردير، عندما قال انه خضع لعملية تجميل لازالة التجاعيد حول عينيه بناء على نصيحة من زوجته!
أدرك التحفة الايطالي قيمة الإعلام مبكراً فأسس امبراطورية اعلامية تضم شبكات تلفزة وصحفاً ودور نشر، منذ الثمانينيات، وهي التي قادته إلى كرسي رئاسة الوزراء.
عشية عيد الميلاد، كان برلسكوني يتجول في ميدان نوف الشهير، في روما، لكن هذه الجولة في بداياتها، لم تكن مصدراً للبهجة الشخصية والمكاسب السياسية، إذ أن عامل بناء يبلغ من العمر 28 عاماً قذف برلسكوني بحامل آلة التصوير، وأصابه خلف أذنه، ونشرت الصحف صوراً لرئيس الوزراء وهو يضع ضمادة كبيرة على رأسه.
عامل البناء «الضارب» قال للصحافيين إن الحادثة وقعت مع سبق الاصرار والترصد، لأذن دولته، وأضاف: إنه ضرب برلسكوني لأنه يكرهه.. وكتب له رسالة يشير فيها إلى حالة النشوة التي انتابته خلال أدائه ل«العلقة»!.
غير أن برلسكوني عفا عن روبيرتو دال باسكو، الذي يقيم بالقرب من مدينة مانتو، في شمال البلاد، ويؤيد الحزب اليساري المعارض، واتصل برلسكوني بالشاب واخبره أنه لن يقاضيه، ودعاه الى زيارة روما، قائلاً : «اتصل بي في المرة المقبلة التي تزور روما فيها، وبذلك يمكن أن نتقابل، وستعلم حينها أني لا أريد الشر لأحد».
كما تحدث برلسكوني لوالدة باسكو التي كانت قلقة على مصير ابنها العنتري، وقال لها: «أنا أيضا لي أم». وكالعادة أثار تصرف رئيس الوزراء جدلا بين أنصاره ومعارضيه فقال مؤيدوه إن عفوه يدل على كرمه، وهو ما سيحظى بالاستحسان في إيطاليا الكاثوليكية، وقال أنطونيو تاجاني، عضو البرلمان الأوروبي، والمنتمي لحزب إيطاليا للأمام الذي يتزعمه برلسكوني «لديه عقلية الأب». لكن منتقدي برلسكوني اعتبروا عفوه استعراضا واستغلالا للموقف، واعتبروه «يلعب دور الضحية».
وسواء كان رئيس الوزراء الإيطالي المثير للجدل يبحث عن كسب سياسي وشعبي، أو كان قد عفا بشيمة وكرم، فالمحصلة أن فعل العفو قد وقع.
وليت حكوماتنا العربية تسعى لتحقيق مكاسب سياسية وشعبية بأيديها وأرجلها إذا كانت محصلة هذه المكاسب ستكون في صالح الشعب أو بعضه! أقول: ليت وأستحضر أنه فعل تمنٍ!.