أظنّ أن الاستمرارية التاريخية للتعذيب في العالم العربي من أبرز الأدلة على أننا لا نزال نعيش خارج زمن حقوق الإنسان. المقاطع التي تسرب للذي يجري في سوريا تعيدنا إلى تاريخ مظلم للعذاب في تاريخنا. ويكفي أننا نحن العرب لدينا “موسوعة العذاب” للباحث والمؤرخ عبود الشالجي، في أجزاءٍ سبعة، تحدث فيها عن العذاب الذي كان يمارسه السلاطين على مر العصور العربية والخلافات تجاه المعارضين. من خلال التنكيل والتعذيب والتشويه والإيذاء النفسي والجسدي. القارئ لصفحاتٍ من السفر الضخم العجيب يرى أننا أبدعنا وأضفنا فناً على الفنون البشرية، إنه فن التعذيب، في صور من الوحشية لا تخطر على بال.
الذي يحدث الآن عبارة عن استمرارية للتعذيب الذي تشكّل في تلك القرون، لقد كان تاريخاً مبئياً بالعذاب، ذلك الذي استخدم في الخلافات الإسلامية ومن ثم في الحكومات العسكرية والأنظمة الانقلابية. إنها امتداد لذلك الإجرام، والقتل. تاريخ العذاب هو تاريخ للإنسان العربي الذي يتعذب كل يوم في السجون، أما الذي لم يسجن فيتعذب بسجن قريبٍ، أو بالقسوة الاجتماعية ووطأة الفقر وتخلف الاقتصاد والأثرة المالية. إن تاريخ العذاب من أصدق التواريخ التي تمنحنا فرصة رؤية أنفسنا وذواتنا بشكلٍ أوضح، نرى وشوم العذابات التي طحنت الأجيال القديمة، في وجوه معذبة تئن تحت وطأة الجلاد الجديد، الذي يتمثل في سوريا، واليمن، بوجه جليّ!
لا فرق، التاريخ يكرر نفسه، قتل للأطفال، وحين يثور شخص في الخارج يضربون أمه في الداخل! في نمطٍ وحشي تاريخي قل مثيله في العالم في هذا العصر. كل المقاطع التي تسرب على “اليوتيوب” تبين أننا لم ندخل إلى زمن حقوق الإنسان بعد، ولا إلى كرامة الإنسان، حيث تهان الأمهات ويقتل الأطفال الرضع، في مشاهد دموية استثنائية.لا نستغرب حين نقرأ للشالجي الذي ساق فضائع جنونية وشراسة وحشية مرت في التاريخ من قبل سدنة السلاطين الذين يذلّون الناس ويستعبدونهم، ويكفي أن نستذكر الشخصية الدموية التاريخية “الحجاج بن يوسف الثقفي”. ومن الصدف أن يكون طاقم المسلسل الذي أنتج عن الحجاج قبل سنوات، قد قدّم بطاقمٍ سوريّ في الوقت الذي نرى الحجاج صغيراً على ما يحدث الآن في سوريا. ولئن مات الحجاج قبل مئات السنين غير أن روحه القاتلة ترفرف في العالم العربي شمالاً وجنوباً.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن الشالجي رصد الشيء الذي كتب، والتاريخ يكتبه الأقوياء، فهذا الرصد كله في سبعة مجلداتٍ هو منتقى من الكتب التي كتبت تحت نظر السلاطين في الخلافات، وبالتأكيد أن ما خفي كان أعظم، لطف الله بالإنسان من جور الإنسان وظُلْمه.