أصبحت عبارة “يجب إدخاله في المناهج” رائجةً بشكل كبير، تطرح من قبل كل شخصٍ أعجبه أمر من الأمور.
تخيلوا أن صحفياً يرى أن الصحافة هي كل شيء، وأن تاريخ الصحافة تم إهماله ويجب إدخاله في المناهج المتوسطة أو الثانوية. أو أنّ خبيراً في “السيراميك” يرى أن قصة السيراميك جميلة وماتعة، ويجب إدخالها في المناهج. باتت المناهج تُحمّل ما لا تطيق. بينما في البلدان الذكية ذات الحركة المدنية الواضحة تضع دورات اختيارية لعموم الناس. من يريد معرفة تاريخ الورق، أو طريقة صنع الثياب يشترك، تكون حينها تلك الأمور مناهج مدنية اختيارية تطرح على شكل دورات.
قرأتُ تصريحاً للباحثة المتميزة نورة الدعجاني تطالب فيه بأن يتم إدخال “تعليم تطريز البشت الحساوي في الجامعات والمعاهد”! وعلى الرغم من جمال ما طرحتْه كمتخصصة في هذا المجال غير أنني أدخل من خلال تصريحها على معيار تقرير المنهج في الجامعات أو المعاهد. هي بطبيعة الحال تقصد الكليات والمعاهد التي تتقاطع اهتماماتها بالأزياء أو التصميم. لكن الذي أودّ أن أقوله إننا لا نعيش أزمة “بشوت”. مع تقديري الشديد للأزياء والتصميم، لكن أظنّ أن من بين الأزياء التي تستحق التفرغ ما هو أرقى من البشت.
جزء من البيروقراطية والانتفاخ الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع نتج عن هذه البشوت التي ملّ الناس من أصحابها. تكاد أرضنا أن تختنق من هذه الاقمشة التي يلبسها كلّ من هب ودب. بات البشت المعلق على شماعة مكتب المسؤول، أو المعلق على ظهره سيفاً مسلطاً على الناس. حمل البشت معه تكدساً تاريخياً أصبح علامة على سلطات غامضة يجدها البعض في ارتداء البشوت. يلبس الناس هذه الأردية لإعادة تكرير سلطات منقوصة. تاريخ البشوت ليس هو ما نحتاجه.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لم تعد المناهج في المدارس والكليات تحتمل، لو بحثنا عن الأمور التي ينبغي على الناس تعلمها وحاولنا إدراجها في المناهج لاحتجنا إلى كتب توزن بالأطنان. نحتاج إلى أخلاق وسلوكيات في التعامل بيننا. إلى ثقافة مرورية، إلى مواد كاملة عن النظافة والوقاية من الجراثيم والأوبئة، نحتاج إلى كليات تعنى بشؤون الأسلوب، وتدريس فنّ استخدام العبارات الراقية والكفّ عن العبارات الجارحة. نحتاج إلى معرفة كيف تطوّرت حضارة الآخر أياً كان لونه أو جنسه، كيف استنارت أوروبا بنورٍ سطع على العالم. أما تدريس تاريخ البشت فلا أخاله ضرورياً ولا أظنّ أنه سيضيف شيئاً ذا بال.