ربما نصنع من المهملات فناً. بعض الذين استخدموا المهملات في فنونهم بيعت أعمالهم بأعلى مما بيعت أعمال بيكاسو. النفايات جزء من الواقع، ونحتاج إلى أن نتعامل معها بطريقة أكثر حرفية وفنية. ومن خلال تعامل الناس مع تلك المهملات، يبرز وعيهم ومدى تمدنهم وتحضرهم، إذا أردت أن تقيس مدى تحضر أهل مدينة فانظر كيف يتخلصون مما فضل من حاجاتهم، تعرف أن هذه المدينة نظيفة أو موبوءة، حتى أن الأحياء داخل كل مدينة يقاس تحضر أهلها من خلال الوعي البيئي الذي تحاول الحكومات المتحضرة أن ترسخه في وعي من تحت يدها. لبعض النفايات أخطار كبيرة ومدمرة، النفايات الطبية وغير الطبية كلها تسبب الأمراض للإنسان. لكن النفايات الطبية تشكل خطراً يهدد البشرية، وبخاصةٍ أن بعض الدول لا تأخذ هذا الموضوع بجديةٍ كافية، فالدفن الخاطئ لها ربما يسبب كوارث تذهب بأنفس كثيرة في مختلف القرى والمدن في العالم. ومع جهودٍ تبذلها المؤسسات المدنية بغية ترسيخ هذا الوعي إلا أن السلوك لا يتغير بلوحات إرشادية، وإنما بخطط تربوية؛ من المهم افتتاح حصص تربوية تُعنى بشؤون النظافة والصحة والأناقة يتعلم من خلالها التلاميذ أصول التعامل مع الجسد والشارع والمهملات كلها وأن يعرفوا واجب جسدهم ونظافتهم. قرأتُ قبل أيام عن تنظيم جمعية أصدقاء البيئة في الإمارات معرضاً بيئياً للأعمال الفنية المصنوعة من النفايات الورقية، وذلك ضمن احتفالات الدولة باليوم الوطني الـ39 وبمشاركة أكثر من 50 طالباً وطالبة يمثلون مختلف مدارس إمارة أبوظبي الحكومية والخاصة والنموذجية. لم تستخدم في هذه العملية الإبداعية إلا النفايات الورقية فقط. غير أنها لافتة ومدهشة، يكفيك أن الورق الذي يستخدم في الكتب والصحف والمؤلفات المدرسية لا تتم استعادته واستثماره بما يكفي، يُقذف هنا وهناك. مشاهد الأرصفة في أوقات الامتحانات مؤسفة أوراق من هنا وهناك، مع أن سعر الورق قد ارتفع، والبعض لا يزال يستهتر بإتلافه كما يتلف أي شيءٍ آخر، مع أن من الممكن استثماره، أو دهك الورقة حتى وإن كتبت على قفاها بعض ما تريد من معلومات. إنه “الفن في المجال البيئي” هذا هو مشروع الجمعية الرائع. الدكتور المقدم إبراهيم علي محمد رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة بالإمارات أكد التزام الجمعية في تحمل مسؤولياتها الوطنية في نشر الوعي البيئي بين الأطفال وحماية البيئة وتنميتها من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وذهب أبعد من ذلك حين قال:”إن الأطفال يحتلون مكان الصدارة في أجندة عمل الجمعية خلال المرحلة المقبلة، نسخر كل إمكانات الجمعية من أجل توفير بيئة عمل وإبداع للأطفال للتعبير عن قدراتهم الفنية في المجال البيئي”! في زيارةٍ لإحدى الدول الإسلامية قال لي من بجواري، لماذا لا تضع هذه الدولة وزارة يكون اسمها “وزارة النظافة”، ومع أنه جاء بها من باب السخرية، غير أنها معبرة وصالحة لأن تكون محل تطبيق من بعض الحكومات. وحينما تحدث وزير الإعلام الأسبق في الكويت: محمد السنعوسي في برنامج قديمٍ له عن استخدام “المعطرات” صار موضع استغراب المعلّقين في “اليوتيوب” لكنها بالفعل معضلة لا تزال ماثلةً للعيان. إن فكرة وضع مناهج جديدة تكون مختصة بالعناية بالذات والبيئة موفقة، وأحسب أن وزارات التربية والتعليم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي والعربي مسؤولة بشكل أساسي عن التربية البيئية. من جانبٍ آخر، للإعلام دوره أيضاً، وأذكر أن الشقيري في برنامجه على mbc أعطى مساحةً كبيرة لـ”نظافة المساجد” مثلاً التي هي “بيوت الله”، ومع ذلك نرى الناس يهتمّون ببيوتهم ويهملون بيوت الله في تعاملهم، إلا من شاء ربي. إنها مسؤولية كبيرة أيها السادة، فهل وعيناها؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019