«يَسُر فؤادُ كل محبٍ» لوطنه وأمته، أن يلقى سارياً -وهادياً أيضاً- في رِكاب رعاية مصالح البلدان والشعوب الشقيقة والصديقة، ذوي فكر خلاق يمتلكون ناصية الأدب ويتبوأون مواقع عبرها يجوبون الآفاق فيبينون الحقائق، ويبنون صروح معرفة ووعي بكلمة تتسع بها «مدارك» كل من يخوض «معارك» مواجهة التحديات، لا سيما في بلدٍ جار وشقيق يُعَدُ حليفاً مهماً بل وشريك مصير.
في محاضرةٍ وصلَت الأزمنة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والسياسة بالاقتصاد، والتاريخ بالإعلام، ومدى التنسيق بغية توثيق «العلاقات السعودية الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»، ألقى سفير المملكة العربية السعودية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة تركي بن عبدالله الدخيل محاضرته، وقدم نفسه باحثاً عميقاً عن جذور علاقات الجارين الشقيقين المتميزة، يتحرى التدقيق لترسيخ القناعة، باسطاً الأرقام لتبيين الحقيقة. مُدللاً في ذات الوقت على صدق الولاء الوطني بالوفاء للأشقاء.
من السهولة بمكان أن يقتحم الدبلوماسي اللامع مجال تأريخ علاقات يجتهد -تحت ظل (وبتوجيهات) قيادته- لتطويرها، إذ ليس بـ«دخيل» على ذلك وهو رائد أصيل في فضاء الإعلام والأبحاث والدراسات والـ«إضاءات» الفكرية والإعلامية التنويرية التي تفرض على محترفيها قَدَر التحول إلى مؤرخين، فيرجع إلى التاريخ «.. وما أحلى الرجوع إليهِ» تغذيةً للحاضر، كما يقول، وتأصيلاً لمستقبل يحقق المزيد والأفضل، حسب المأمول.
وجدير به تقديم المزيد والأفضل طالما «دخل» المشهد الدبلوماسي تؤهله ثقافته وخبرته وشخصيته لكي يؤدي دوراً إيجابياً بالقول والفعل وسط «رَبْعٍ» حاضن للمبدعين لمع نجمه الأدبي الإعلامي وسط سمائه، من قبل فجاء مُدرِكاً تفاصيل وأبعاد وآفاق وخلفيات الصلات التاريخية والمتجددة والإستراتيجية بين جارين شقيقين يربطهما «تحالف الاستقرار»، حسب توصيفه.
السفير تركي الدخيل ما ترك حِرفته وقلمه، أو حَرفَ بوصلته أو قلّمَ انشغاله بمُهِمَتَي «الإضاءة» و«الإضافة» التنويرية بل ضاعفها بعدما دلف بوابة الدبلوماسية، وطوع بَنانَه يرص بُنياناً من الوعي بالمشتركِ من التحديات الراهنة والمتشابهات التاريخية والتطلعات المستقبلية.
ففي محاضرته الملقاة على جمهور مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بأبوظبي آخر يوليو 2019، حدد السفير الأديب المخاطر السياسية والفكرية والأمنية، الخارجية الإقليمية و«الديناسية: دينية-سياسية» المحدقة بالبلدين والمنطقة ككل وأدواتها الشقية المعروفة، التي لوجودها نشأ تحالف عواصم «دول الاستقرار» أبو ظبي – الرياض وتطابقت رؤاهم.
عقب إلقاء تلك المحاضرة بأيام (أوائل أغسطس)، تدهور المشهد وسط اليمن الذي يُلِم الأديب الدخيل بأحواله وأهواله من وقت مبكر وأمسى «جوهرة بيد (كُل) فحام»، وازداد تفشي هجمات إعلامية مشككة بعلائق الحليفين نتيجة تطورات «اليمننة (المحتاجة إعادة النظر)». فأثبتت صفحات محاضرة السفير السعودي لدى الإمارات عن العلاقات أنها «زادت طِيباً» نتيجة معرفته دخائل الموقف وكيفية احتوائه من جانب القيادتين السعودية والإماراتية وتفاهمات وليي عهدي البلدين: محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، والزيارات المكوكية من جانب الأمير خالد بن سلمان بغية التنسيق المشترك ومعالجة الأوضاع اليمنية بما يعزز «التحالف الراسخ»، وإذا كان «لا ينبئك مثل خبير»، فما بالك بمطلعٍ على خلفيات «التفاهم» جاء يُدوِّن بشكل حصيف أجواء تحالفهم ضد الفوضى والفتن، وهو «تحالف يحقق نصراً أكبر من كل المعارك» حد تعبيره ويجلب نفعاً «يسهم في خير الناس»، فيرسخه بالبيان الشافي والكلمة الطيبة داحضاً ما عداها.
قطعاً.. لا يستدل السفير المحاضر والباحث أو يوثق للتاريخ تغريدات ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسمو الأمير خالد بن سلمان والوزير أنور قرقاش -في هذه المسألة وغيرها- دون أن يكون شاهداً على صدق حروف التغريدة وحاضراً كواليس الموقف. كذلك أثنى على وأد الأمير خالد الفيصل شائعات الخلاف بتعبيره القاطع: «السعودي إماراتي، والإماراتي سعودي». كما اتصل بسميه الأمير تركي الفيصل يسجل شهادته عن وصية الشيخ زايد لأبنائه بتوثيق علاقتهم بالسعودية، «فهي العزوة إذا جار الزمن».. وزاد يؤكد حقيقة تشابه المسير التاريخي والمصير الوحدوي السعودي والإماراتي، وما لقيه الأخير من دعم سعودي أثناء مراحل تكوين الاتحاد.
بكل ذلك وأكثر وسع سفير الأفكار بين دول الاستقرار، محاور المحاضرة، فحلل الخلل بعمق وعَلل العِلل بعقل، استناداً على إشارات وتحليلات علمية لدوافع التشكيك والهجمات من «أمم الفيسبوك وقبائل تويتر وبقية جماعات وسائل التواصل الاجتماعي»، والمبنية على «شبهات يمكن تصديقها» حد قوله، وكذا «احتراف صناعة أخبار لا تُبنى على وهمٍ محض» حسب محاضرته التي أوضحت سطورها مدى انتشار تلك الحملات المدفوعة بمقولة الدخيل: «الخبر الصادق قد لا تتجاوز مشاركته 1000 مرة، في حين تتجاوز مشاركة الخبر الزائف 100 ألف مرة»..
هكذا تنطبق مقولة أبي العلاء المعري: «للكذب سوقٌ ليست للصدق»!
هنا نرى حنين الفتى «لأول منزلِ» وانشداده «للحبيب الأولِ»: الإعلام.. إذ -والقول مقتبس منه- «يأتي بدروس تعلمها من تجربته»، فيرى أن علاج فايروس (كورونا) الإعلامي يكمن في «.. تكثيف البرامج الحوارية السياسية الجادة، التي تُقدم تحليلات نقدية عميقة لرفع الوعي لدى الجمهور المستهدف، وهو تحدٍ كوني لمواجهة تصدع الحقيقة والأخبار الكاذبة».
بدت المحاضرة – المبادرة بحثاً أكاديمياً دبلوماسياً يواجه لغو المغرضين و«المحورين.. الماكرين»، أوجب طبعها وإصدارها كتاباً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية شهر ديسمبر المنصرم، ضمن «مبادرات رفع الوعي بقيمة التحالف ومبادرات الدبلوماسية العامة والشعبية» التي يقترحها علاجاً ناجعاً، جامعُ فنون الأدب والإعلام والدبلوماسية: تركي الدخيل مُتقناً أيضاً (مع مركز الإمارات) فن اختيار الوقت المناسب للنشر.
نبذة عن الكتاب: الكتاب رقم 230 ضمن سلسلة محاضرات الإمارات، رئيس التحرير البروفيسور جمال سند السويدي. صادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، يقع في 102 صفحة: اشتملت مواضيع الكتاب من التمهيد والمقدمة حتى الخاتمة العناوين التالية:
فلسفة التحالف: جذور التاريخ تغذي الحاضر، دعم السعودية لتكوين اتحاد الإمارات، مجلس التنسيق السعودي الإماراتي صفحة جديدة من التكامل، تعاون اقتصادي وثيق يعزز العلاقات، مكافحة التطرف ومواجهة تيارات الإسلام السياسي، عاصفة الحزم ترجمة التكامل، الموقف الرباعي لمكافحة إرهاب الدولة، مستقبل الشراكة في ضوء تحدي الأخبار الكاذبة، تجاوز التحديات بتعزيز التفاهم: الحدود مثالاً، كيف يمكن هزيمة التحديات الإعلامية، 92 هامشاً لا تقل أهمية بعضها عن المتن.
صحافي وباحث سياسي يمني