لم يكن التغيير الحكومي في الأردن لافتاً لو لم يقترن بأمرين؛ أحدهما أن تعيين معروف البخيت رئيساً للحكومة جاء بعد أسبوعين من تفجيرات انتحارية إرهابية أصابت ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان وأودت بحياة نحو ستين نفساً بريئة· والثاني أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أوعز إلى رئيس الوزراء الجديد بأن يجعل مكافحة التكفير في أولى مهام حكومته·
مسؤولون أردنيون قالوا لوكالة الأنباء الفرنسية إن البخيت ”مؤيد للإصلاحات”، ”ومقتنع بحتميتها لكي يستطيع الأردن المضي قدماً من أجل حماية نفسه”· وأوضح مسؤول أردني ”بعد الاعتداءات التي استهدفت عمّان والتهديدات التي يوجهها المتشدد أبو مصعب الزرقاوي بمواصلة ذلك، يدرك الأردن الآن أكثر من أي وقت مضى أهمية القيام بإصلاحات ستشكل أفضل حماية له”، وأضاف: ”لا يمكننا وضع شرطي أو جندي في كل مكان في الأردن· لذا، فان الإصلاحات وخصوصاً في المدارس والمساجد هي أفضل الوسائل لضمان أمننا· الأردن سيتخذ إجراءات أمنية إضافية على الصعيد الداخلي لكنها لن تؤثر مطلقا على الحريات العامة”·
اختيار معروف البخيت، الذي تصفه الأوساط الإعلامية الأردنية بأنه ”رجل الثقة” لدى الملك عبدالله، لتشكيل الحكومة، وهو مدير الأمن الوطني، يلفت إلى أن المسألة الأمنية، وإنْ لم تغب عن الحكومات الأردنية السابقة، إلا أنها ستكون على رأس قائمة الأولويات في الحكومة الحالية· فالأردن عرفت على صعيد نظامها السياسي والأمني بالقدرة على الخروج من أزمات خانقة وضعتها فيها ظروفها الجغرافية والسياسية والديموغرافية والفكرية، مع أن واحدة من هذه الأزمات لو كُتب لها نصف نجاح لعصفت بأي حكومة عربية أخرى·
لكن الأردن ضُربت في صميم ما تعتز به، وهو قدرتها الأمنية وقوتها الاستخباراتية، واستطاعتها التعامل مع متغيرات وقوى معادية معظمها يستند إلى إيديولوجيات حادة التوجه، يميناً أو يساراً، وتكن عداء أصلياً للمؤسسة السياسية أو المؤسسة الأمنية أو لهما معاً· وقوع تفجيرات الأردن مع ما فيه من خطأ استراتيجي بالنسبة لما تعلنه ”القاعدة” من أهداف لها، حيث أصاب أحدها عرساً فلسطينياً قتل أكثر من خمسة عشر حاضراً فيه كلهم ينتمون لأسرة واحدة هي أسرة الزوجة، كان اختراقاً لمنظومة الأمن الأردني، استدعى قيام الملك عبدالله الثاني بتعجيل التغيير الحكومي·
صحيح أن تغيير الحكومات في الأردن سمة وسنة ورثها الملك عبدالله من والده الراحل الملك حسين، لكن دلالات هذا التغيير تفتح الباب للتساؤل، وبخاصة مع النظر إلى توجيه الملك للحكومة الجديدة بالتعامل الحاسم مع الفكر التكفيري، لجهة التعاطي الأردني سابقاً بنعومة مع ”صقور” تكفيرية كانت تمارس الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في الأردن بكل حرية وراحة، وكانت مواقفها صريحة في تأييد العنف، وتغذية التكفير في الوريد، ولا مثال أبرز على ذلك من أبي محمد المقدسي، عصام برقاوي، شيخ التكفيريين، وإمام ”القاعديين”، وأحد أهم المنظرين الفكريين لمنتهجي العنف سبيلاً·
لقد سجن المقدسي كثيراً في الأردن، لكنه كان في كل مرة يخرج إما بعفو أو لعدم كفاية الأدلة، مع أن معظم التكفيريين التفجيريين عالة عليه في أفكار التفجير، وأفعال الإرهاب·
لا زلت أذكر أن أول بروز إعلامي للمقدسي كان في منتصف التسعينيات عندما بث التلفزيون السعودي اعترافات مرتكبي تفجير ”العليا” في العام ،1996 وكانوا يقولون إنهم تأثروا بكتب أبي محمد المقدسي، ما قادهم إلى أن يكونوا أول من قص شريط العنف في السعودية·
إن تصفحاً سريعاً لموقع المقدسي على الإنترنت يكشف لك بجلاء ودون مواربة، أن المقدسي، زعيم تكفيري، يستند الإرهابيون عليه بشكل رئيسي·
[email protected]
جميع الحقوق محفوظة 2019