لا يمكن أن يمرّ يوم على العالم من دون خبرٍ يتعلّق بالعنف، ولا يخلو مؤتمر صحافي لزعيمٍ إلا والإرهاب وموضوعه، والعنف ومحفزاته حاضرة لأن الدم صار خبزاً يومياً للمجتمعات المسلمة أولاً، وللعالم كله ثانياً!.
لهذا أسست السعودية تحالفاتٍ كبرى في المنطقة، أولها التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن من خلال عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» والآخر «التحالف العسكري لمواجهة الإرهاب» ويضم أربعين دولة إسلامية وعربية، ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان تحدثّ في مؤتمره الصحافي في الرابع عشر من ديسمبر من العام الماضي.
مؤكداً على أن الإرهاب يحارب عبر مجالات ثلاثة: العسكري، الفكري، الإعلامي!، ذلك المثلث الأساسي يجب أن ننطلق منه لمناقشة أي استراتيجية تتعلق بمحاربة الإرهاب، لقد كان النجاح العسكري حليف دول الخليج في الحرب على الإرهاب، غير أن الجانبين الإعلامي والفكري يحتاجان إلى الكثير من العمل والصقل، فهما الحلقات الأضعف في مجال الحرب على التنظيمات منذ الحرب على القاعدة وإلى الحرب الناشبة اليوم ضد تنظيم داعش.
لنأخذ مثلاً على ذلك سيناريو الهجوم الذي نفّذه تنظيم القاعدة ضد مسجد «قوات الطوارئ» في أبها في السادس من أغسطس من العام الماضي كانت المعلومات التي طرحتْها وزارة الداخلية في 31 من يناير الماضي صادمة، حزام ناسف نقلته امرأة هي عبير الحربي، وجندي خان الأمانة وتعاون مع قائد الخليّة ليسهّل على المجرم الدخول إلى المسجد، وقام بالتمويه من خلال إسعافه لزملائه بعد أن حدث التفجير.
هذا النفوذ الإرهابي والتغلغل عنصر قوّة للتنظيم فهو يستخدم «القوّة الناعمة» التي تحقق الأهداف شبه المضمونة. ومن دون تعاضد إعلامي وفكري يدعم العمل العسكري على الأرض فإن أكثر من خليّة ستولد تتجاوز عنف خليّة «المونسيّة» و«ضرما» لتصل إلى ما هو أعتى لا سمح الله.
لقد تمكّنت الخلايا التي أعلنت عنها الداخليّة من إيجاد ترابطٍ فيما بينها، عبر التنسيق من جهة، والتغلغل في المؤسسات المتعددة من جهةٍ أخرى، وتجنيد المرأة أيضاً يدل على أن العملية تمت حياكتها بحذرٍ شديد وتدبير خبيث وخطير.
لا يمكن للعمل العسكري أن يقوم بأدوارٍ أخرى مفترضة مثل الجهد الفكري المتعلّق بالجانب التربوي، واللعب على عنصر التجنيد العائلي، على سبيل المثال هناك أكثر من فردٍ في تنظيمي القاعدة وداعش من عائلاتٍ واحدة، بين إخوة وأبناء عمومة، أكتفي بمثالٍ واحد فمن عائلةٍ مترابطةٍ متشابكة خرج عبدالجبار بن حمود بن عبدالعزيز التويجري الذي أدين باستهداف مقارّ الأجهزة الأمنية والعسكرية، وأعدم في الثالث من يناير الماضي.
وعبدالله عبدالعزيز إبراهيم التويجري، الذي فجّر نفسه في بقيق في فبراير 2006، وصولاً إلى عبدالرحمن عبدالله سليمان التويجري، الانتحاري الأول في الهجوم على مسجد «الرضا» بالأحساء 29 يناير، وسبق أن أوقف أمنياً لمشاركته في التجمعات المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين مع حملة «فكّوا العاني»، شقيق منفّذ الهجوم في الأحساء هذا انضم إلى داعش في مناطق الصراع بالعراق.
شبكة كبرى تعمل عليها التنظيمات المتطرفة، قد تنجح قوات الأمن في دحض هذه التنظيمات على الأرض، لكن ليس من مهامّها القيام بأدوار مؤسسات التعليم، ولا تغيير استراتيجيات التربية، ولا تجاوز روتينية الإعلام وجموده، تلك مهام مشتركة بين المؤسسات الحكومية والأهلية والمجتمع، وهذا ما قصده الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر الإعلان عن التحالف العسكري الإسلامي.
من دون عملٍ متوازن، بين ثالوث مكافحة الإرهاب: العسكري، الفكري، الإعلامي، سنبقى في حالة مكافحةٍ لثمارٍ سامة، من دون أن نوجد أدواتٍ قويّة تمكننا من اجتثاث شجرة الإرهاب من جذرها.