قوة أي مجتمع ببنيته التحتية، وأساس البناء والتنمية هي الموارد البشرية. وفي مجتمعٍ مثل السعودية بشبابه وفتياته حيث التحمس للمستقبل، وازدياد أعداد الموهوبين لابد لنا من الاهتمام الكثيف بالعلوم والاكتشافات التي تبدعها العقول الموهوبة التي دخلت إلى قلاع العبقرية من أوسع الأبواب. وقد وقفتُ على أكثر من قصةٍ عن الموهوبين، من بينها قصة طارق،التي قصها لي الأستاذ جمال الدبل، أحد الشخصيات التي تهتم مشكورة بالمجتمع الباذل، وتسعى لتعزيزه، وهي قصة تستحق التأمل والتدبر!
جاء في قصته:” طارق كان طالباً ذكياً عندما حضر في برنامج أرامكو الصيفي للموهوبين ولكنه كان إنساناً منطوياً، كان هذا أول برنامج يقوم فريق ممن لهم خبرة في تطوير الموهوبين بتصميمه والإشراف على تنفيذه في 2007. كان الأذكى بين ال40 طالباً المشاركين ولكن مهاراته في التواصل محدودة. أخذ الطالب المثالي في البرنامج أي أنه الأفضل علمياً وإثرائياً. تغير بشكل كبير. لم يكن ينوي السفر خارج المملكة بل الدراسة في جامعة الملك عبدالعزيز لأنها قريبة من موقع سكنه، أقنعته بالدراسة خارجها وحيث إنها كانت أول سنة لبعثات جامعة الملك عبدالله للطلاب الموهوبين سعيت مع موهبة والجامعة لأن يقبلوه، في 24 ديسمبر الماضي وصلني ما قد يكون أسعد إيميل في حياتي. طارق يقول أنا سآتي إلى السعودية لأحاول أن أجد مستثمرا لمشروع بحثي عن التوفير في استخدام طاقة المياه بتقنية جديدة. أعرف أن تخصصه الحاسب الآلي. قال لي إنه مع مجموعة من الدكاترة في جامعته أرادوه أن يكون مسوقا لهم حيث إن السعودية من أكبر المستخدمين للطاقة في تحلية المياه وهذه التقنية تنفعهم. هو في المرحلة الجامعية الثالثة وكانت إجازة نهاية السنة لديه أسبوعين. قضاهما في جدة والرياض بزيارات لكل جهة عرف أنها يمكن أن تستثمر في هذه الطاقة سواء حكومية أو خاصة. قابلته في مطار جدة ليلة عودته لإكمال الدراسة وفرحت فرحاً لم ينته إلى الآن. يا الله لو تم نقل البحث وتطوير التقنية إلى هنا ثم تصديرها للعالم، فهذا ما أسميه نواة مجتمع المعرفة. تبدأ بالعلوم والرياضيات والهندسة ثم البحث العلمي ثم تأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة المعتمدة على تلك الأبحاث. أما آن للنواة أن تصبح شجرة”. المجتمع بتقبله للعباقرة يدخل في حيّز سلوك المجتمعات النامية المصابة بـ”عقدة الخواجة” حيث نتمنى أن يبدع الشباب ثم حين يبدعون يقابلون بالسخرية أو التحطيم، فلا نحن الذين آمنا بشبابنا وجيلنا العبقري، ولا نحن الذين استفدنا من القدرات العبقرية الأجنبية، فضيّعنا مشيتنا، ولم نستطع تقليد مشية غيرنا.
قال أبو عبدالله غفر الله له: هذا النموذج من الطموح والسعي نحو استثمار التخصص بالاكتشافات وتحويل النظريات إلى أدوات عمل بالفعل، هي البنية الأولى لبدء الرحلة مع المعرفة التي ترتقي بالمجتمع، من المستحيل أن تجد مجتمعاً يتطور من دون أدوات علمية فارقة، هذا ما نتمناه لمجتمعنا بشبابه الذين يدرسون داخل الوطن أو خارجه.