يصحو الإنسان يوم الجمعة بنفسٍ منفتحة وروحٍ مطمئنة، بعد أن قضى ليلة خميس عائلية أو بصحبة رفقة العمر. ثم يرتدي أفضل ما لديه، متطيبا منشرحا يذهب إلى الجامع متطلعا إلى خطبة تتجاوب مع سكينته الروحية التي تسيطر عليه. يتمنى أن تكون الخطبة عن رحمة الله، عن صفات النبي وحسن خلقه، عن سير الأولين، عن الجوانب المضيئة في التاريخ، عن الحكمة والكرم والحلم والوفاء، يتمنى أن يكون الخطيب مدرارا في عباراته الإيجابية عن المجتمع، أن يتحدث عن الفقر، عن التكافل الاجتماعي، عن رعاية الأيتام عن خطر الظلم، عن العدالة والحب، والصفاء وقبول المختلفين، لكن هذا الحُلم سرعان ما يتبدد لدى بعض من الخطباء الذين يوظّفون الخطبة لمعاركهم الشخصية، بدليل بعض خطب قرأنا عنها كانت متحيزة نحو قضية معينة هي محل خلاف اجتماعي!
الكثير من الخطباء تناولوا قضية عادية هي شأن صحفي وإعلامي وإخباري وأعني بها قضية قيادة المرأة للسيارة، وتحديدا أولئك الذين تناولوا الأستاذة: منال الشريف بالتوبيخ والتقريع، بل ووصل بعضهم حد تفسيقها مخترقا كل النظم الدينية والقانونية.
من حقّ الخطيب أن يبدي رأيه في هذه المسألة وغيرها من خلال مقالة يكتبها ويرسلها إلى الصحيفة أو ينشرها في موقعه أو على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما ما أنتقده أن يوظّف الخطيب منبر الجمعة الذي هو ملك المسلمين جميعا لأغراضه هو وآرائه هو وانتصاره لتياره هو من دون المسلمين هذا ما أعترض عليه.
للخطيب حق التعبير في الإعلام والإنترنت والصحف، لكن ليس من حقه أن يوظّف المنبر لضرب خصومه من التيارات الأخرى، أو من المختلفين معه ممن اتخذوا طرق تفكير أخرى!
قال أبو عبدالله غفر الله له: نذكر أن الخطباء الأوائل كانوا يركزون على ما يهم المسلمين جميعا، يبحثون عن ما يجمع ويبتعدون عن الذي يفرّق، يحاول بعض “الحزبيين” أن يوظّفوا المنبر ضد حزب آخر.
إن المنبر أيها الفضلاء ليس للتنابز والحرب وتصفية الحسابات، إنه مكان مقدس في مسجد يأوي إليه كل راغب في التبتل والصلاة والدعاء!
هناك فرق بين “تويتر” و”فيسبوك” و”منتديات الإنترنت” وبين منبر الجمعة، المنبر يعبر عن “رؤية المسلمين”، وأما تلك المواقع ووسائل الإعلام فيمكن للخطيب أن يعبر عن آرائه من خلالها..
هل وعينا الفرق أيها السادة؟!