من يتابع الأخبار يجد أنه وبمعدل يومي هناك خبر حول الإرهاب والعنف وحركات الإسلام السياسي ضمن نشرات الأخبار الرئيسية. بمعنى أننا أمام حالة تاريخية تشكّلت، ومن خلالها نشأت تلك الحركات. لكن هناك محاضن قبليّة تسبق التجنيد لم تسلط عليها الأضواء كما يجب. هناك مراحل كثيرة يمرّ فيها الإرهابي المجنّد، تستحق الدراسة والبحث. وأحسب أن الباحث والكاتب: حسن بن سالم، أحد أهم الباحثين في هذا المجال. ومقالته في صحيفة الحياة تعبّر عن رؤية واضحة مفصّلة يشرحها بسخاء وبتحليل لا يكتبه إلا من بحث في هذه الظاهرة وحللها وفصّلها بالتحليل العلمي المنطقي.
حسن بن سالم يرى أن التجنيد له أجواء متاحة في بعض المحاضن كالتعليم والمراكز الصيفية، يقول: “جماعة التوعية الإسلامية أو جماعة الثقافة في المرحلة الثانوية كان هو المسمى الغالب لأنشطة التيار الصحوي والتيار الإخواني، فقد تجد في هذه المدرسة أن جماعة التوعية الإسلامية تابعة للتيار الصحوي وتجد في أخرى أن جماعة التوعية الإسلامية تابعة للتيار الإخواني وهكذا وفي بعض المناطق قد تجد اختلافا في المسميات، لكن العلاقة بين النشاطين في معظم المدارس كانت علاقة صراع حقيقي “تجد أفراد جماعة التوعية الإسلامية يصلون صلاة الظهر في مقرهم ولا يصلون في مقر جماعة الثقافة وكذلك العكس بل يتعدى الأمر إلى خارج فناء المدرسة فلا يمكن لأعضاء جماعة التوعية مثلا الذين ينتمون لتيار الصحوة أن يصلوا في مسجد أو جامع أو يحضروا محاضرة أو فعالية إخوانية وكذلك العكس، وكل ذلك بتأييد ودعم من مشرفي مثل تلك الأنشطة والحلقات والمكتبات”.
حسن بن سالم لا يبرئ ساحة التعليم ومحاضنها من تنشيط حالات التطرف والتحفيز على نقل الفرد من حالة الانتماء الحزبي، إلى تطوّر آخر حيث يلحق بفلول العمل الميداني الإرهابي. بل ويضع اللوم على “المعلم” بوصفه الملقّن الرئيس للطالب في المدرسة. يقول: “إن الكثير من المعلمين المنتمين إلى التيار الصحوي الحركي لم يعد دورهم هو مجرد القيام بمهنة التعليم فحسب، بل أصبحوا يمارسون، ومن خلال المحيط التعليمي، الوعظ والإرشاد والنصيحة والاحتساب، فلا تفوتهم حادثة أو مناسبة متعلقة بزمان أو مكان إلا وكان لهم موقف ديني تجاهها، ولذلك أدرك الصحويون مدى أهمية وجود أمثال هؤلاء المعلمين في مدارسنا، والتي جعلت من ضمن أهم أولوياتهم واهتماماتهم هو توجيه شريحة كبرى من أتباعهم للعمل في السلك التعليمي، وذلك لخصوبة الأرض التي يمكنهم من خلالها غرس ونشر الكثير من الأفكار والآراء”.
قلتُ: وبغضّ النظر عن “التسميات” التي تطلق على التيارات، غير أنني أرى أن هناك تيارات مدنية وربما تكون إسلامية كما هو حال النموذج التركي، وتيارات أخرى عسكرية ولو كانت علمانية كما هو نموذج “الأتاتوركية” التركية العلمانية. لكن الواضح أن كتابات حسن بن سالم حرّكت وتحرك مياهاً كثيرة، في عالم نقد الحركات أو الانتماءات أياً كان لونها أو اسمها.