«واسطة العقد ورمانة الميزان وأستاذ الأجيال وصانع نجوم الصحافة وثالث الثلاثة الكبار» تركي الدخيل.
هذا الوصف الانفوجرافيك للأستاذ خالد المالك يجعلنا أمام «معادل لتاريخ الصحافة السعودية» بذاكرتها العريقة وتياراتها الفكرية ومراحل نهضويتها.
أبسط وصف يقال عن حديث الأستاذ تركي الدخيل في عكاظ في عدد الأربعاء 24 ربيع الأول 1441هـ عن «أستاذ الأجيال» خالد المالك بأنه «مقطوعة موسيقية نثرية» تعزف جمالا وصدقا بأسلوب راق ورقيق، طابع مستوحى من طبيعة الشخصية التي يتحدث عنها فظلال المرء له تأثيره في أسلوب وصفه.
لقد اعتمدت هذه المقطوعة النثرية على الملامح البارزة لشخصية أستاذ الأجيال والتي كشفت عن جزء من تاريخ صانع نجوم الصحافة المطرز بالإنجاز والإبداع والتأثير والقدرة على التخطيط، وقبل كل ذلك كشفت عن الجانب الإنساني، لأن إنسانية المرء هي التي تصنع بصمة الأثر الخالدة.
من قرأ ما كتب الأستاذ الدخيل عن خالد المالك المستنِد على تجارب واقعية وشهادات حيّة سيكتشف أننا أمام أيقونة تاريخ وذاكرة الصحافة في السعودية، أيقونة تمثل الإنسانية في أبهى صورها والفروسية في أقوى مواقفها.
ففي الصحافة كما في الحياة رجال يأتون ويذهبون، لكن صناعة الأثر والقيمة التاريخية تستلزم «رجال بمواصفات خاصة» تحدث عنها الدخيل، الوفاء والصفاء والمواقف الصانعة لواقع يتحدى الصعوبات والأزمات.
في ضجيج دوائر الضوء والصوت التي تحيط القمة قد يغلب المرء إحساسه بنفسه فينسى قيمة الإنسانية ويصبح لا يرى من فوق القمة سوى ظله، لكن أستاذ الأجيال لم تخدعه القمة بظله فقط، لأنه آمن بأن القمة تعني أن يكون بجوارك كل من يستحق القمة، وهذا الإيمان هو الذي جعله صانعا للنجوم.
فالإيمان بحرية الرأي والفكر والإبداع لمن هم معك هي التي تحول المرء إلى قائد صانع للنجوم.
وبهذا الإيمان استطاع المالك أن يصنع من الصحافيين الذين تتلمّذوا في مدرسته الصحفية القائمة على الحرية والإبداع والإتقان والأسلوب الجديد أن يصبحوا نجوما وأن يترأسوا مواقع إعلامية بارزة ومهمة، وهذه هي قيمة الأستاذية فالمبدع يُقاس بقدرته على صناعة مبدعين آخرين وعندما سئل المالك عن هؤلاء الأساتذة التلاميذ فأجاب بتواضع الكبار «لم أشعر يوما ما ولو لحظة واحدة أن من عمل معي كان تلميذا كنت أنظر إليهم بدون استثناء على أنهم زملاء كبار يشاركونني في صنع النجاح،.. أما الفشل فهو مسؤوليتي..، ولا زالت هذه قناعاتي وأسلوبي في العمل».
وليست صناعة النجوم هي التي خلقت أستاذية المالك فقط بل سجاياه الإنسانية التي يتحدث عنها الدخيل وفق وقائع وشهادات حية، جعلت منه ممثلا «لبوابة الوفاء الذي يدخل من خلالها المرء إلى قلوب الجميع» وكما يقول الدخيل «حسبك من أن الرجل سجية يعتد بها أن يوصف بالوفاء». فالوفاء ليست قيمة تقديرية مُلزمة التحقق في مواقف المجاملة إنما هي «طبع داخل المرء» تتوثق من خلال مكتسباته سواء المضافة أو المضافة إليه وتمنحه صفة ضمان للأمان لمن حوله، وهذا ما أكدّ عليه السيد عبدالمقصود خوجة بأن الوفاء بالنسبة لخالد المالك «سجية نابعة من عمق ذاته،.. في زمن عزّ فيه الوفاء.» وهو بهذا النهج كما قال الدخيل «يبارز المالك بوفائه المستحيلات المتوهمة».
والوفاء كقيمة إنسانية أعلوية لها تأثيرها على المرء فهي تخلق داخل المرء «صفاء الشخصية» -كما وصف عبدالله الجفري خالد المالك-، ومصدر هذا الصفاء الذي يحيط شخصية أستاذ الأجيال «وضوحه وفروسية مواقفه» فهو «صانع المواقف الفروسية» وهي صفة وليدة مواقف كان المالك بطلا فيها، ليتعلم منه الجميع معنى رقي الاحتواء والوحدة الوطنية وأن الجزيرة هي معادل للوطن صوت الجميع، وهي مساحة تتحطم داخل صفحاتها وهم المناطقية لتقدم درسا في الوحدة الوطنية مع ضمان حق التنوع الثقافي والفكري.
إن الأستاذية الحقيقية ليست تنظيرا، بل هي مواقف تخلق من خلالها القيمة التاريخية للمرء، لذلك أصبح المالك رمانة الميزان للصحافة السعودية.
إن محبة الناس لشخص هي التي تصنع نصف مجد ذلك الشخص وهي محبة لا يمكن أن تتشكل من فراغ بل من ثقة الناس بإنسانيك أولا وبأخلاقك وبقدرتك على العمل والعطاء والإنجاز والتغير هذه المنظومة هي التي تشكل قيمة تاريخ المرء وتأثيره في غيره.
وبهذه المحبة والثقة استطاع المالك أن يصنع «تاريخ صحيفة الجزيرة في مرحلتها الأولى والثانية والتي أصبحت صوتا لكل السعوديين والعرب»، كما استطاع أن يؤسس الخصائص المهنية للمدرسة الصحفية السعودية الحديثة، وليس هذا فقط بل واستطاع أن يرسم صورة مثالية لإنسانية «القائد الصحفي»، ولذا سيتعب كل من أراد أن يتخذ «أستاذ الأجيال» قدوة له؛ لأنه أسس نهجا قلة يستطيعون السير على دربه.
وشكرا جزيلا للأستاذ تركي الدخيل الذي قدّم لنا هذه السيرة الموجزة لتاريخ أستاذ الأجيال خالد المالك التي تتخفى علينا نحن من نعيش خارج جمهورية الصحافة.
الرجال الحقيقيون هم من يصنعون التاريخ.