أخبرني صديقي أنّه فقد دراجته الهوائية التي كان يقودها في شوارع “عجمان” في الإمارات. وهو حزين لأنّ هذه الأداة ألذّ وأجمل من السيارة، وهي أيضاً صديقة للبيئة.
لدينا موقف ثقافي من “السيكل”، بدايةً من وصفنا القديم له بحصان إبليس، وترخيص الهيئة لمن يقوده بألا يقوده إلا لحاجة وبإذن والده، وألا يردف عليه أحداً، مروراً بارتباطه بـ”الهنود” و “الباكستانيين”، وكأننا أفضل منهم. يستخدم الإنسان السيكل منذ الصغر، لكن، ما إن يصل إلى المرحلة الثانوية إلا ويزنّ في أذن والده طالباً ترقيةً من الدراجة الهوائية أو “السيكل”، اللفظة السعودية الدارجة عن هذه الأداة، الترقية تتمثل في مطالبة الأب بسيارة جديدة. تنتهي علاقة الابن بالدراجة الهوائية أو السيكل.
قام شابٌ في الرياض بمغامرة عجيبة، قرر أن يذهب إلى الثانوية التي يدرس فيها يومياً والتي لا تبعد سوى كيلو متر واحد عبر دراجة هوائية اقتناها خصيصا لهذا الغرض، لكنه أصبح مثاراً للضحك والسخرية، وصارت تلك الحادثة مسبّة تطارده في تلك المدرسة. لأنهم شبّهوه بـ”الهندي”. وفي شمال السعودية قرّر مؤذن مسجد سعودي أن يستخدم “السيكل” للتنقل من المسجد وإلى البيت، وترك السيارة للتنقلات الطويلة خارج الحي، فشغب عليه الناس، وأمطروه بالضحكات، وصار فاكهة أحاديث الناس، وصار اسمه مجلجلاً. بالفعل يا له من سؤال ثقافي محوري، لماذا نحن الخليجيين نحتقر السيكل، ونعتبره أداة تنقل “غير شريفة”؟!
وتمنيت في لحظات كثيرة لو أنّ وزني يسمح بامتطاء دراجة من الدراجات، لكنتُ استخدمتها في تنقلاتي الصحفية والإعلامية، كما يستخدمها وزراء وعلماء وعظماء في الهند والصين وباريس وبريطانيا، هي أداة جيدة للتنقل القريب، وهي علاوة على ذلك أداة صديقة للبيئة، وسهلة التعامل، وتنمّي اللياقة، وتخفف الوزن. تخيّلوا لو أنّ الناس تنقّلوا في مشاويرهم إلى السوبرماركت أو المخبز عبر الدراجة، وحينما يمرّ جارٌ بجوار جاره وهما في درّاجتين متجاورتين يسلّمان على بعضهما “هلا أبو صالح، هلا أبو عبد الله”. بكل سهولة ويسر.
قال أبو عبد الله غفر الله له: والناس في باريس لا حديث لهم سوى قرارات رئيس بلدية باريس الحالي السيد برتران ديلانو، بقراراته الجريئة، وبحرصه على البيئة وعلى هواء الفرنسيين- بتشجيعه عبر حملات منظّمة على قيادة الدراجات الهوائية. وقرأتُ في صحيفة “الإمارات اليوم” عن دراجة هوائية اسمها “فينيكس” الكهربائية، وتأتي هذه الدراجة بهيكلٍ مصنّع من قضبان الحديد الصلب، والتي يمكن لقائدها وبسهولة قيادتها بصورة آلية من خلال بطارية الليتيوم ذات الـ36 فولتاً والتي تزن ستة كيلوغرامات، والتي تعطي هذه الدراجة القدرة على السير بسرعة 30 كيلومتر/ساعة، ولمسافة تصل إلى 25 كيلومتر متواصلة خلال شحنٍ كامل للبطارية، إذ يستغرق الشحن الكامل للبطارية ثلاث ساعات متواصلة من خلال أي مقبس كهرباء منزلي. وقيمة هذه الدراجة ما يقارب 3000 درهم إماراتي فقط.
هل نبدأ عصر الدراجات؟ على الأقل في فترات اعتدال الجو، حتى لا نتذرّع بالطقس القارس برداً، أو الحارق صيفاً؟ لا أظن، خاصةً إذا علمنا أن الكثير من السعوديين يستخدمون “الجمس” حتى في الذهاب إلى المسجد، عشتم وعاشت البيئة، وعاش الهواء!