ماذا لو أن كل إنسانٍ أتقن مهنته؟
بالتأكيد ستكون الأمور أكثر نجاحاً مما هي عليه الآن في كل مكانٍ من العالم العربي، قلتُ هذه العبارات لزملاء كنتُ محاضراً عندهم في مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية (سايتك) أول من أمس. تحدثتُ عن أن النجاح فكرته في “الإتقان”، أن تتقن ما بين يديك من عمل. وأن تعرف المجال الذي تخصصت به وأن تقوم به خير قيام. لو أن الناس كلهم صاروا يمارسون أدوارا متشابهة في حياتهم بحيث صاروا كلهم فيزيائيين أو كتاباً أو صحافيين لشلت حركة الحياة، من هذه الزاوية دخلتُ على أن فكرة التقليد في النجاحات فكرة غير سليمة، فالتقليد يعثر من حرية الإنسان في ممارسته لذاته، وإبراز هواياته.
على أني يجب أن أعترف بأن الحديث في غير السياسة في زمن غليان العالم العربي بالثورات، يصبح صعباً، ولذلك اضطررت لأن أضرب بيدي على الطاولة أمامي قبل المحاضرة، وأقول: دقت ساعة المحاضرة، سننشد الكلمات كالجرذان كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وجملة جملة. إلى الأمام! فضحك الناس وأقبلوا على حديثي بفضل الله ثم بفضل الحضور.
أتفرج وقت كتابة هذه السطور، على خطاب معمر القذافي، وقد استمتعتُ بكثير من خطاباته. من قبل كان الجامع بينها “التمثيليات” منذ خطابه المظلّي في المطر. إلى خطابه الناري في الساحة الخضراء الشهير بخطاب: “دقة ساعة العمل… زنقة زنقة… فرد فرد… بيت بيت… باب باب” إلى خطابه حين قال للجموع “ارقصوا افرحوا”. بالأمس كان الخطاب “هتافياً” حيث جاءت مجموعة من “الطقاقات” اللواتي هتفن حتى يبست حلوقهن بالثورة والمجد والكلام الكثير المكرر الذي شبع منه الشعب الليبي منذ أكثر من أربعين عاماً. وأنا أشاهد كل تلك الخطابات تساءلت: ماذا لو أن القذافي أتقن عمله؟ وترك عنه التنقل في منطقة رمادية بين “الزعيم… والقائد” حيث يمارس كل أدوار الرئيس ثم يقول أنا لستُ رئيساً حتى أتنحى، يقول إنه مجرد مواطن ليبي ثم يقول ما زلنا نسيطر على كل أصقاع ليبيا.
ليت أن كل مسؤول يقوم بشيء واحد قبل فوات الأوان وهو “الإتقان”.
حين تركت الأمور سائبة في بعض الدول ولم يقوموا بأية ممارسة إصلاحية أو أي إتقانٍ ورقابة على المشروعات النهضوية والموارد المالية، استفزت الشعوب وثارت.
لو أن رئيس الدولة عمل عملاً متقناً كما يتقن الخباز خبزه، والنجار خشبه، لو أن كل إنسانٍ أتقن عمله بهذا المستوى لوصلنا إلى قمم النجاح.
لا التقليد ولا التكاسل عن العمل يصنعان نجاحاً أو إصلاحاً، والخطابات أيضاً خطابات الساسة لا تعدل ما انكسر، ولا تجبر ما انثلم. أتقنوا أعمالكم مهما كانت قليلة. وقد قيل: “قليلٌ دائم خير من كثير منقطع”!