كنت خلال الأشهر الماضية، أعيش، وإن على البعد قريباً من حالة مؤلمة لصديق وقريب. فحبيبته وزوجته وأم أطفاله، التي انتقلت رحمها الله إلى الرفيق الأعلى فجر الأمس، تعاني منذ بضع سنوات من مرضها الخبيث. بقيت مها العيسى، زوجة محمد أبانمي، تواجه المرض، بقوة وصلابة ورباطة جأش، طوال سنوات، وهو ينتقل من جزء من أجزاء جسدها إلى الآخر، فما تكاد تحقق عليه نصراً في مكان، حتى يفجعها وأحبابها في مكان آخر. حتى قبيل وفاتها، والأمل يملأ جوانحها، إيماناً بالله، ويقيناً بأننا لا نستطيع أن نحيا بلا أمل، ولو تيقنا من أن الموت آت، وأنه أقرب إلينا من أحبابنا الذين يحيطون بنا!
كنت أتواصل مع محمد، عبر الهاتف، وعبر رسائل إلكترونية، وكنتُ أعلم كيف يعاني، فقد كان سألني قبل أسبوع: كيف كنت تشاهد والدتك، وهي تذبل أمامك بانتظار الموت؟!
كان سؤال محمد مجدداً لمشهد الموت البطيء الممل، الذي، عشته، وعاشه خفف الله مصابه، ذاك المشهد الذي يجدد ألمك على حبيبٍ يتألم، وأنت تسليه بأن هناك أملاً، وأنت تعلم أنه لا نهاية للنفق المظلم، إلا رحمة الله. الألم والأمل… تتقدم اللام، فيكون الحزن والمعاناة، وتتقدم الميم فتشرق النفوس.
كيف يعيش الإنسان بين الألم والأمل، صابراً على الأول من أجل الثاني؟!
أعانك الله يا عزيزي، وأحسن عزاءك، فالفراق صعب، والموت مُرٌ، لكنها سنة الله في خلقه…
وأكاد أراك يا محمد يا حبيبي وأنت تودع رفيقة دربك وحبيبتك تقول لها رحمها الله:
ولقد أراكِ كسيتِ أجملَ منظرٍ
ومعَ الجمالِِ سكينةٌ ووقار
والريح طيبةٌ إذا استقبلتِها
والعرضُ لا دنسٌ ولا خــوارُ
وإذا سريتُ رأيتُ ناركِ نورتْ
وجهاً أغرَ، يزينهُ الإسفارُ
صلَّى الملائكة الذينَ تخيروا
والصالحونَ عليكِ والأبرارُ
وعليكِ من صلواتِ ربك كلما
نصبَ الحجيجُ ملبدين وغاروا