تركي الدخيل
برحيل الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل، تطوى مائة سنة من حياته التي أثر فيها على المشاهد الشعرية واللغوية، وأثار الجدل حول «المحكية»، ومركزية لبنان «الفينيقية»، وصراعه مع أهل مجلة «شعر» من رواد الحداثة ــ آنذاك ــ وآخرهم أدونيس، والذي لم تكن المعركة بينه وبين عقل سهلة، إذ امتدت إلى آخر رمق، والعزاء أن العراك معرفي وعلمي وفي حدود المعقول، رغم وجود شيء من الشخصي تحمله حال الاحتقان الذي يسببه النقاش من بعيد.
رحل سعيد عقل الذي كتب باللغة العربية مطوعا إياها، واستطاع أن يخلد في أذهان الناس البسطاء عبر القصائد المغناة، وأن يخلد في أذهان النخبة وأهل الفكر والشعر عبر كتاباته الإشكالية ومحاضراته ودروسه التي لم تتوقف، وحين كبر كان يطل على الناس عبر برنامجٍ خاص به بعنوان: «سعيد عقل إن حكى».
تذكر السعوديون انعكاس عقل وشعره عليهم، تذكر الدكتور عبدالسلام الوايل مقالة كتبها أحد المثقفين ضد قصيدة «غنيت مكة»، بدعوى أنها تسيء إلى السعوديين، ويتذكر آخر أغنية «غنيت مكة»، وهي تصدح في مدرسته المتوسطة، بصوت فيروز المسيحية، ولحنها الرحابنة المسيحيون، ومن كلمات سعيد عقل المسيحي، وهي من أجمل القصائد التي قيلت في مكة وأهلها والسعاة والطائفين، كلمات بليغة وجميلة في آن، وكانت تبث في التلفزيون السعودي «يوم الدنيا دنيا»، يقول في جزء منها:
وعلى اسم رب العالمين علا بنيانه كالشهب ممدودا
يا قارئ القرآن صل له، أهلي هناك وطيب البيدا
من راكع ويداه آنستا، أن ليس يبقى الباب موصودا
أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا
لو رملة هتفت بمبدعها شجوا لكنت لشجوها عودا
ضج الحجيج هناك فاشتبكي بفمي هنا يغر تغريدا
وأعز رب الناس كلهم بيضا فلا فرقت أو سودا
رحل سعيد عقل وترك لبنان جريحا، بين المخطوفين، وأزمة السلامة الغذائية، ذهب وهذا البلد الكبير يعيش بلا رئيس، إنها مفارقة عجيبة، كيف هو لبنان الذي ولد فيه سعيد قبل مائة سنة، وكيف هو الآن؟!