قبل سنوات مضت وجدت دول أوروبا نفسها بحاجة إلى فرض نظام يمنع التدخين في الأماكن المغلقة.
قررت إنجلترا أن تطبق النظام في شهر أغسطس (آب) من السنة، حيث تكون الأجواء الصيفية معتدلة، ويمكن للإنجليز أن يقضوا الكثير من أوقاتهم في الأماكن المفتوحة، وبخاصة في الحانات التي يقضي الإنجليز فيها ساعات يومياً.
كان المشرع يريد من تحديد بداية القرار مساعدة الناس على تنفيذه. فالمدخن عندما يجد أن الجو مناسب لمعاقرة سيجارته خارج المكان المغلق، سيتشجع للتوقف عن التدخين في الدخل، ويبدأ الاعتياد على تطبيق النظام.
في المقابل قرر الفرنسيون أن يبدأ تطبيق قرار منع التدخين في الأماكن العامة منذ الأول من يناير (كانون الثاني)، أي في بداية العام وتحديداً في 1/1، فانشغل المشرعون داخل قبة البرلمان في نقاش مفاده أن أول ساعة يجب تنفيذ القرار فيها، ستكون فورالاحتفال بدخول السنة الجديدة، وهذه لحظة احتفالية لن يتمكن المرء من الانضباط فيها بقرار منع التدخين في الداخل، فأجل القرار إلى اليوم الثاني من السنة.
غير أن المشكلة الحقيقية كانت تكمن في أن الوقت كان شتاء، والخروج من المباني والأماكن المغلقة لتدخين سيجارة في شتاء قارس، كان أمراً شبيها بالتعذيب.
نحن إذا أمام أنموذجين للتشريع، الأول يساعد الناس على تنفيذ القرار، فالقرار وجد من أجلهم، ولهم، ولتحقيق مصالحهم، وإن لم يقتنعوا آنياً بهذه المصالح، ونموذج ثانٍ اهتم بالتشريع والتنفيذ دون أن يراعي في التوقيت ما يمكن أن يسهم في مساعدة الناس على التنفيذ. على أني يجب أن أشدد على أن القرارين في البلدين، تم تنفيذهما بصرامة، وبات الحديث عن خرق القرار بعد بضع سنوات على إمضائه، مستحيلاً.
في بلادنا، كل نظام يضبط الحركة المرورية هو نظام مرحب به.
جاء نظام “ساهر” ليحاول لجم نزيف الشوارع، غير أن مشكلة ساهر الحقيقية أنه لم يقدر التهيئة لنظام سيمس الناس في حياتهم اليومية.
محزن هو الخبر الذي نقلته جريدة الرياض عن شاب حطّم سيارة تحمل كاميرا “ساهر”. أعلم أن الكثيرين تضرروا، وأن بعض مخالفات الناس وصلت إلى آلافٍ مؤلفة. لكن كل نظام له صعوبات في التطبيق بدايةً بعدها يعتاد الناس عليه.
قال أبو عبدالله غفر الله له: مشكلة ساهر الوحيدة أنه فُرض على الناس فجأة دون مقدمات، فمن المستحيل أن تحول الناس بقوة الأموال المدفوعة اليوم إلى محافظين على نظام المرور، دون تمهيد ثقافي، ولو بحملة إعلامية.
نظام ساهر وضع لحراسة الإنسان، فقط نحتاج إلى شيء واحد حتى لا نشعر بالخوف من كاميرا ساهر، أن نتعوذ من الشيطان وأن يقود الناس “بشويش”، وأن يرافق ساهر مزيدٌ من التثقيف، قبل نزيف المخالفات!