قضيت قبل أيام أوقاتا ممتعة مع مجموعة من الأصدقاء. كانت أمسية رائعة، عناصرها متجانسة، يضيف كل واحد منهم قيمة للآخر، بأفكارهم وإيجابيتهم، ورؤيتهم الجميلة للناس والأشياء.
نفوس الحاضرين كانت متجانسة، ولم يكن أحدٌ منهم يبث سلبية أو حقداً تجاه غيره من الحاضرين، بل ولا تجاه أحد من الغائبين.
بعد انقضاء الأمسية، سألني صديق: هل استمتعت بتلك الليلة؟! أجبته بالإيجاب. كررت له ذات السؤال، فقال: أظن أنني استمتعت!
جعلتني إجابته أتأمل في إشكالية كثيراً ما نقع فيها، دون أن ندرك أننا نقع في وحلها.
إننا نحجم عن الاستمتاع بالأشياء الصغيرة، تلك التي بمجموعها تشكل الأشياء الكبيرة.
كثيراً ما نفقد استمتاعنا بالأشياء اليومية، وننسى أو نتناسى أن استحضار الجميل في هذه النعم، هو ما يشكل في حقيقته لب السعادة وعميق المتعة.
إن هذه النفسية الإيجابية، هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى عندما قال: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا”.
إنني أقول بضرورة الاستمتاع بالنعم التي نرفُل بها، وتقديرها حق قدرها؛ فكم من شخص على هذه الأرض، لا يملك قوت يومه وأولاده، وكم من شخص على هذه الأرض يخاف على نفسه، أو يبيت في العراء، أو لا يستطيع أن يتقي حر الصيف أو زمهرير الشتاء، أو يعاني المرض؟!
على أن هذا لا يعني أن لا يسعى الإنسان لتطوير نفسه، وترقية حياته، وبذل المزيد من الجهد للتطور والمكافحة من أجل الحصول على حقوقه.
قال أبو عبدالله غفر الله له: الأشياء الجميلة من حولنا كثيرة، بداية بأنفسنا، ومروراً بأحبابنا، والرائعون من حولنا كُثر، ومساحات المحبة تحيط بنا لو صدقنا في تأملها، لكننا نغفل عن استحضارها، والتأمل فيها، وتعزيز المتعة بالإحساس بها في نفوسنا، وننغمس في عملية تعذيب للنفس، بالتركيز على السلبي والوغول في النقص، دون أن نتذكر أن من نظنهم سعداء، لا يختلفون عن حالاتنا، ويتشابهون مع أوضاعنا، ولديهم ما يسوؤهم بالتأكيد، وإن لم يبد لنا ذلك واضحاً جلياً!