ما الذي جرى لنا؟! منذ أربعة أشهر وكل شيء يطرح يثير الاحتقان ويفرز الاصطفاف. حتى صارت أقل الأمور تقيم الدنيا ولا تقعدها. في كل يومٍ أو يومين حملة على شيءٍ ما. حتى صار الكل يخاف من الكل. لأضرب مثلاً بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي كانت ملاذاً للبوح والشعر والأدب والحديث عن فكرة أو كتاب أو حتى عن نزهة، تحولت تلك المواقع لتكون ميادين حرب، وساحات معارك. تغريدات تصوّر ثم تتداول، كلام من هنا أو هناك. أسماء مستعارة تجول وتصول باسم الدفاع عن الدين، لكنها للأسف تستخدم أساليب غير دينيةٍ أصلاً.
اتهامات للكاتبات وإشاعات عن المثقفين والكتاب، حروب في كل تجاه، وكأننا بدأنا نطلق مخزوننا من الحقد على المخالف بشكلٍ لم يسبق له مثيل. أحداث الجنادرية ومن قبلها معرض الكتاب، وسالفة “الماريوت” صارت موضع خلافات وانقسامات. ثم يأتيك أحدهم يطالبك برأيٍ في كل قضية، فصارت كل الآراء لديهم “أساسية” إما أن تكون مع أو أن تكون ضد، منعوا الحياد وجرموه. في بعض الأحيان لا أهتم لهذه القصة أو تلك، لهذا لا أبدي رأيي، فلا أكون مع ولا ضد، لكن يأتيك من يلومك على عدم إبداء موقفٍ أو رأي، وكأن الحياد ممنوع أو مجرّم. لا يجب أيها السادة أن يكون لنا رأي بكل موضوع، ولا أن نكون ضمن هذا الفريق أو ذاك، يكفي أن نكون منسجمين مع أنفسنا محافظين على أوقاتنا!
ولفرط الهدوء الذي نعيشه صار كل رأيٍ يطرح حتى لو كان بجملةٍ واحدة يثير الغبار والجلبة. المفزع بالأمر أن الإشاعات صارت تطال أسماء وسمعة أعراض، بحيث تطلق الاتهامات بكل اتجاه، على هذه الحقوقية، أو على ذلك المثقف، أو على رئيس التحرير، وكلها تخرج بالمجان. مواجهات وصراعات، ومحاكمات ومرافعات، كلها تدل على أننا نسينا أنفسنا! ولم نراجعها ولم ننظر إلى وجوهنا ونحن في حال التوتر بالمرآة، لنرى الغضب والتجهم!
قال أبو عبدالله غفر الله له: الهدوء ثم الهدوء ثم الهدوء، لنعد إلى سابق عهدنا بعيداً عن الاصطفاف، ولنوقف هذا التهجم الشرس، وادعاء انتشار الإلحاد، وهذه دعوى باطلة وزائفة، حتى صارت كل أمٍ تخاف على ابنها من القراءة، لنكف عن الاحتقان قليلاً، ولننصت إلى أوقاتنا وإلى ضمائرنا الناطقة.