أيهما هو الوضع الصحيح: أن تلجأ النخبة إلى الشارع أو أن يلجأ الشارع إلى النخبة؟!
من القائد المفترض في التصور الأمثل: تأثيرات الشارع أم تأثيرات النُخب؟!
هل يجب أن يتحرك الجمهور بوعي النخبة؟ أم يجب أن ينساق النخبويون لصريخ الجماهير وعويل الحشود، وأهازيج المدرجات، منقادين بسلوك القطيع وعقلية الدهماء؟!
يبدو أن الصراع في هذا الموضوع ليس وليد اللحظة، ولا هو نتاج الساعة، بل هو قديم قدم الحديث عن جمهور ونخبة!
تداعت هذه الأسئلة في ذهني وأنا أتابع معركة أشرطة وتسجيلات الشيخ يوسف القرضاوي في قطر.
فشيخنا المصري الأصل، القطري الملجأ والجنسية، الإخواني الهوى، يردد كثيراً أنه “وسطي التوجه”، وأعاد مقولته هذه في خطبة الجمعة قبل الماضية، وأرجو أن يكون ذلك من باب التحدث بالنعمة, وأخشى أن يكون من الثناء على النفس المنهي عنه كما في التنزيل: “فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى”.
أشار الشيخ القرضاوي في خطبته هذه مجدداً إلى “وسطيته” بنفسه، ولم يسمعها من غيره، وإلاّ لاضطر أن يحثو التراب في وجهه امتثالاً للحديث النبوي. ونقل فضيلته معركة أشرطته الى جموع المصلين الذين جاءوا ليتفقهوا في أمور دينهم ودنياهم، فوجدوا أنفسهم يستمعون لحديث عن وسطية الخطيب ثم عن قضية شخصية هي مسح أشرطته وتسجيلاته في تلفزيون قطر، ضمن مؤامرة ربما كانت جزءا من المؤامرة التي يحيكها أعداء الأمة على أمتنا وديننا وتسجيلات رموزنا وأشرطة مفكرينا!
كثيراً ما يلوم الإسلاميون والحركيون منهم بالذات السياسيين والحكام لأنهم يخلطون الخاص بالعام، وما زالوا يرددون هذا المأخذ، حتى كدنا نصدقهم، لولا أنهم وقعوا فيما نهوا عنه دون أن يتفطنوا إلى بيت شعر قضوا أسماعنا به:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ….. عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ.
إذا كان الشيخ القرضاوي، نفع الله بعلومه وأشرطته وحفظ تسجيلاته من التلف، يعتقد أن أمر أشرطته دِينٌ، وأن مسحها يناقض ما تكفل الله به من حفظ الدين، وأن الموضوع تحول من كونه موضوعا شخصيا إلى كونه قضية أمة يجب أن تتبناها جماهير صلاة الجمعة، وأن تهتز لها أعواد المنابر، وأن تقام لها الدنيا ولا تقعد، فقد أصاب فضيلته في خطبته التي شكا فيها التضييق عليه والضغوط الممارسة ضده، وختم بطلب من يحفظ من المصلين شيئاً من تسجيلاته وأشرطته أن يعطيه إياها… لكنها والله مصيبة. وأما إذا كان يرى أن الموضوع يندرج في خانة المماهاة بين الفكرة ومعتنقها، فالمصيبة أعظم.
لقد رأينا من فضيلته مزجاً بين رأيه الشخصي والحكم الشرعي، في مثال طريف عندما اتصل به مستفتٍ عبر برنامج تلفزيوني يسأله عن حاله وهو الذي يرغب في جماع زوجته في دورة المياه، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ فكان جواب الشيخ القرضاوي رأياً شخصياً وذوقاً خاصاً به عندما قال له بلهجته المصرية:”هوّا من قلة الأماكن يعني؟!”.
جميع الحقوق محفوظة 2019