تراجع الشيخ عبد العزيز الحميدي عن أفكاره المتشددة، هذا ما استنتجناه من ظهوره المتكرر على التلفزيون السعودي حيث صرّح بأن الجهال من رموز التطرف خلقوا إشكالات فقهية في حياة الناس، وأشار بشكلٍ خاص إلى خطورة التكفير ونقض البيعة. عشر ضربات تلقاها الفكر المتطرف بعشر إطلالات من شيخ وداعية سعودي انسحب بكل قوة من تيار طويل عريض هو تيار التشدد الذي سميناه في البداية الفئة الضالة ثم اكتشفنا أخيراً أنهم خوارج. أياً كانت التسمية المهم أننا ما زلنا نشهد تراجعات ومراجعات وتصحيحات على المناهج والتيارات، هذا ما يمكنني أن أصفه بالجانب الإيجابي من النقد الذاتي للنفس من أجل حماية الوطن والمجتمع من نيران الإرهاب.
الجميل في تراجع الشيخ الحميدي أنه عرف جيداً مناطق الضعف التي يستغلها المتطرفون لضرب المجتمع، يقول مثلاً: “بعض الشبهات التي تصور المجتمع في أعين أفراده بأنه مجتمع انخرط في الفسق والفجور والكفر – وبعض هذه الشبهات توجه إلى المجتمع، إلى القضايا، إلى القوانين، إلى الأنظمة والتشريعات التي يحكم بها القضاء – يكون اسمها قوانين أو أنظمة أو تشريعات، وهي بالتالي ليست وليدة الشريعة الإسلامية، وهذا أعظم مدخل لخلخلة النسيج الاجتماعي لأي أمة، وهو القدح في مقدساتها التي بها تصل الحقوق وتدفع المظالم، بل هناك بعض الشبهات التي تتوجه إلى المجتمع، ويهدف منها إخراجه من دائرة الإيمان والإسلام والاجتماع والصف الواحد، ومنها ما يتوجه إلى القضاء في هذا المجتمع، بعضهم يقول إن القضاء لا يستند فقط على القضاء الشرعي، وإنما على الشريعة الإسلامية، فهذه شبهة ضعيفة، بل ومنحلة فاسدة”.
قلتُ: تكفير المجتمعات بالجملة والمفرق ملّ الناس منه، المجتمعات الإسلامية تبحث عن دعاة يرشدونها مدنياً وحياتياً ويدافعون عن حقوقهم الإنسانية ويفسّرون لهم الإسلام ببساطة، أما التقعّر وسؤال الناس عن عقائدهم بالتفصيل فهذا هو الذي ينفّر الناس من الإسلام. أحد الدعاة سأل هندياً مسلماً يبيع العصائر عن معتقده في “الاستواء” في باب الأسماء والصفات. دهش العامل، وأخبره أنه يعبد الله ويؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويؤدي الصلوات الخمس، أما التفاصيل فهي لا تعنيه، تلك هي مشكلة المتشددين أنهم يريدون من الناس بلع الكتب والدخول معهم في كل النقاشات والسجالات المذهبية والعقائدية، هذا إذا سلّمنا جدلاً بهذه القضايا.
أقول للحميدي سر في تراجعاتك، وننتظر تراجعات الكثير من المتشددين الذين يكابرون، ولا يقومون بنقد للذات ولا بالسؤال عن الآراء الأخرى.