توقعت كل شيء من شعبان عبدالرحيم، إلا الترشح لرئاسة مصر، توقعت منه أن ينظّر لنا في السياسة كما يشاء، لكني لم أتوقع أن تكتسح النظرية “الشعبانية” في السياسة أرض مصر، فتكون أطروحات معظم المرشحين للرئاسة المصرية لا تتعدى مقولة الفنان الكبير حجماً والثقيل من أثر كميات الذهب التي يدخرها في أماكن متفرقة من جسده عندما قال: أنا باكره إسرائيل وباحب عمرو موسى. لتهنك السياسة يا مسيو شعبان!
بالأمس القريب توصلت بأكبر المتأثرين بشعبان سياسياً. وهو مرشح لرئاسة مصر الكنانة! عندما اطلعت على تصريحاته العظيمة تذكرت قول أبي الطيب:
وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكاء!
صاحب التصريح هو أحد رؤساء أحزاب المعارضة المرشح منافساً للرئيس مبارك على مقعد الرئاسة، وهو اعتبر الرئيس مبارك أولى منه بالمنصب وقال: لو فزت “لا قدّر الله” فسأتنازل للرئيس مبارك عن الرئاسة. وكم تمنيت لو أنه قال لو فزت “معاذ الله”، ليتبرأ من نفسه سياسياً كما يجب، وقد بلغ هذه المرحلة الفائقة من إنكار الذات.
كنت أتصور أن الملكيين أكثر من الملك ليسوا إلا في الأنظمة الوراثية، لكن هناك ملكيين أكثر من الرئيس أيضاً في الجمهوريات العربية، التي بات معظمها يتحول إلى الوراثة على استحياء.
المرشح التحفة هو أحمد الصباحي مرشح حزب الأمة لمقعد رئاسة الجمهورية، وإذا كان حزب الأمة هذا حزباً معارضاً يرجو أن يحقق نتائج في معارضة الحكومة فأقول له كما نقول في الخليج “الله يخلف على أمه”، أي نستودع الله أمانتك ودينك وخواتيم عملك أيتها الأمة!
من حق أحمد الصباحي أن يحب الرئيس مبارك كما يشاء، حتى لو بلغ به الحب أن يغني فيه أغنية شعبانية تصل مبيعاتها إلى أكثر من عشرين مليون نسخة، ومن حقه أن يؤيد الرئيس مبارك كما يشاء، وأن يتبنى رؤاه وأطروحاته، بل له أن يذهب بعيداً فيخلط الأنظمة السياسية ويدعو إلى مبايعة الرئيس مبارك، في خضم انتخابات رئاسية، كما فعل الإمام الاكبر شيخ الأزهر ووزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق الذي لم يكتف ببيعته بنفسه، بل قال إنه يبايع الرئيس مبارك هو وجميع الأئمة والمؤذنين، وكأن تربعه على هرم إدارة هؤلاء يؤهل معالي الوزير ليتحدث باسمهم، وليته إن فعل، لم يخلط عباساً على دباس، فيبايع في خضم معركة انتخابات!
من حق أحمد الصباحي أيضاً أن يلبس الطربوش ويصر على لبسه تمسكاً بالزي الوطني، من حقه أن يلبس ما شاء، طربوشاً، أو برنيطة، سروالاً أو ثوباً او بنطالاً أو حتى شورتاً، لكن ليس من حق فخامته (لا قدر الله) أن يترشح للانتخابات، وهو يعتقد أنه إنما جاء فوق البيعة، لتأييد الرئيس مبارك!
لم يعد المجال مناسباً لتكرار تصريحات ورثها بعض المشاركين في العملية السياسية من ثقافة كروية ضحلة، عندما يقولون إننا نشارك من أجل المشاركة فقط ولاكتساب الخبرة، وكأنهم يشاركون في مباريات ودية!
الأكيد قبل ذلك وبعده، هل الرئيس مبارك، وبعد أكثر من عشرين عاماً في السلطة، وسياسة خارجية متوازنة نلمسها لأن من حقنا الحديث عن السياسة الخارجية باعتبارنا غير مصريين من جهة، ولأننا نراقب الساحة من بعيد، بحاجة إلى تأييد شعبان عبدالرحيم، أو تنازل الصباحي إن فاز في الرئاسة (عياذا بالله) أو حتى لبيعة شيخ الأزهر وقوافل الأئمة والخطباء والمؤذنين؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019