في التاريخ العربي، مرّت علينا نماذج من الزعامات المهووسة بالسلطة، تلك التي تقتل لتحكم، من أبي عبدالله السفاح إلى الحجاج بن يوسف وما بينهما وما تلاهما. ومع الأحداث السورية الحالية تبدو أمراض السلطة واضحةً وضوح الشمس. الرئيس السوري يقول ما قاله القذافي من قبل: “إما أن أحكمكم، وإما أن أقتلكم” وقد قتلهم بالفعل، لكن يبدو أنه مهما قتل وسفك فلن يستطيع حكمهم مرةً أخرى، لقد انهدّ أضخم حاجز في التاريخ وأعني به: “حاجز الخوف”، ليخرج الناس من بيوتهم ليغيروا هذا النظام السوري الذي قمعهم على مدى أكثر من أربعين عاماً.
اهتزّت مشاعر الناس وهم يشاهدون مقطعاً على الإنترنت يبدو فيه أحد الشبيحة وهو ينحر سورياً ثائراً! بطبيعة الحال لا أنصح بمشاهدة هذا المقطع الدامي، غير أن هذا السلوك يشرح مدى تحكم المرض السلطوي في سلوك النظام، لقد اعتادوا على الطاعة المطلقة لهم من قبل الناس، بحيث أصبحت شخصيات القادة مقدسةً، بل ويجبر الناس على إطلاق صفاتٍ قدسية على الحاكم، إلا أن التغييرات التي عصفت بالعالم جاءت على تلك الأنظمة التي بنيت من ورق، فأشعل السوريون شرارةً على طرفٍ من ذلك النظام وهو الآن يركض باتجاه الاحتراق، ولم يجد النظام وسيلةً للدفاع عن نفسه إلا بإزهاق أرواح الآخرين.
جزء من مشكلة سوريا واستمرار معاناتها، تلك المواقف المرتخية من قبل الجامعة العربية، فالجامعة تبتكر قوارب نجاةٍ لنظامٍ يغرق، وإذا قرأنا المبادرة العربية ببنودها، أو الأسابيع التي تمنحها الجامعة، نجد أن الهم الأساسي في المبادرة ـ كما يبدو ـ إنقاذ النظام السوري، لأن الشعب السوري ليس أولويةً كما يبدو من صياغة المبادرة ومن سلوك إعطاء الفرص تلو الفرص الذي تمارسه الجامعة العربية. إن الشعب السوري هو الأهم، أن تهتم الجامعة العربية به لحقن دمائه، وأن تقف معه كما وقفت مع الشعب الليبي، وأضم صوتي إلى صوت الأستاذ: صالح القلاب، الذي طالب الجامعة العربية بالتحرك نحو خطواتٍ تالية، وألا تظل تركض في مكانها بينما الشعب يقتل!
قال أبو عبدالله، غفر الله له: علمنا التاريخ أن الطغيان يزول، وأن الشعب هو الذي يبقى، سوريا أعرق من كل الأنظمة، إن على جلد كلٍ منا بصمة من الشام الذي كان على مر التاريخ مركزاً للبشرية ومصدر إثراء للعالم، لهذا يحزن كل إنسانٍ لكل الجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب بها الشعب السوري -فقط-لأنه لا يريد نظام حكمه الذي يصر على حكم الشعب أو قتله.