أصدقكم القول إن حرب لبنان الأخيرة كانت مصدراً لا يمكن وصفه لإحباطي. ليس فقط على الصعيد الإنساني، ولا على الصعيد السياسي، بل على الصعيد الفكري والثقافي والمنهجي، وهذه الثلاث هي لبُّ موضوع سطوري اليوم. لقد توقفت عن الكتابة قرابة شهر أو أكثر مع أني كنت قبل الحرب وفي بداياتها استهليت فكرة الكتابة هنا، مرتين أسبوعياً، لا لسبب أكثر من كوني بتُّ محبطاً من الحالة الثقافية والفكرية، تلك التي تكون عقليتنا التي تشكل تصوراتنا، وهذه الأخيرة هي المنظار الذي ننظر للأشياء والعوالم والأحداث من خلاله! لم أحرص يوماً من الأيام على تصوير مشاكلنا، على أنها تنطلق من خلفيات عرقية أو إقليمية أو مذهبية، بل كنت أحاول أن أنقض هذه التصورات، وأحمد الله أني لا زلت أثق بالإنسان، من حيث الإجمال، بالاستناد إلى ما فضَّله الله به، من عقل، وقدرة على التمييز والفرز، والتفريق بين الغث والسمين. غير أن ما واجهته خلال الأحداث الأخيرة من تفاعل مع الآراء المطروحة، كان مفاجأة، شكلت لي صدمة، لم أكن أتوقعها، وأعترف بأن عدم توقعي لأي نوع من الصدمات، هو ضعف في بنية التفكير، وخلل في مراقبة الأشياء، وعدم إعطاء الأمور ما تحتاجه من تصور ونظرة موضوعية. كان لب المفاجأة يكمن في مواقف بعض من انتقد رأيي، وليست الفكرة لجهة عدم توقعي الخلاف معي، معاذ الله، إذاً لوجب عليَّ أن أكف عن التفكير، فالكتابة، لكن مصدر الاستغراب، كان أن الإخوة المختلفين كانوا يصورن خلافنا على أنه خلاف سُنة مع حزب شيعي!! علامتا التعجب السابقتان مقصودتان، هنا، كما في عنوان المقال، لدلالتهما معنى، بحجم التكرار، مع أن التكرار يخالف أصول الترقيم، وتعاليم الكتابة، لأنني لم أنطلق يوماً في نقدنا للمواقف والأحداث على أسس أيديولوجية أو مذهبية، وإلا لما انتقدت ابن لادن، ولا الزرقاوي، ولا الظواهري، ولا ملا محمد عمر، ولا حتى عبدالعزيز المقرن، وأفراد “القاعدة” وتشكيلاتها! لو أردت أن أجعل ميزاني مذهبي، لكان ضُلال “القاعدة”، أحبُّ إلينا من مصيبي غيرهم، لكن معاذ الله أن نبني الحق والصواب، والظلم والضلالة والخطأ بناء، على مذهب أو قربى أو نحوها! لقد كتب البعض أننا انتقدنا “حزب الله”، لأننا سُنيون، وهم الذين كانوا يطبِّلون لنا يوم كنا ننتقد ابن لادن، والظواهري، وأزلام “القاعدة”، ويقولون فينا قصائد المديح، وأعرق أدبيات الثناء على شجاعتنا، لأننا تصدرنا للرد على المخطئين. ووالله لو أنهم اختلفوا معنا دون أن يعتبروا خلافنا مذهبياً، لما تعاملت مع الخلاف إلا على رحب وسعة، لكنهم صوروه مذهبياً، بل وذهبوا بعيداً، فقالوا إننا لا نريد من لبنان، إلا المتعة، ولو شئنا رد الخطأ بمثله، لقلنا إنهم لم يعبأوا للضاحية وحارة حريك إلا لذات هذه “المتعة”. أقول ذلك وأنا المتصل بلبنان عائلياً وفكرياً وذهنياً، وإلا لما بقيت آثار زيارتي لها في الثمانينيات مع والدي وعائلتي، في وقت لم يُعرف فيه حينها “حزب الله”، الذي هو رابطة هؤلاء بلبنان الوحيدة. فيا أيها القوم الذين لا تهبون للمواجهة إلا في المناسبات: لقد كتبتُ عن الإرهاب، حتى قبل أن يتم تبني مواجهته رسمياً، لأني أؤمن بضرورة مواجهته، ومع أني لا أعاني من مشكلة علاقة نفسية ولا سياسية ولا عضوية مع سياسة السعودية ولا دول الخليج، إلا أني لا أتابع السياسة الرسمية، كما يفعل بعضكم مع زعامات سياسية وإن تلبست بلبوس الدين! لأني أثق بعقلي واستقلاليتي، دون أن أدّعي بطولات فارغة، ولا عنتريات مزيفة، أرضخ فيها لأجندات الخصوم، ثم أقول إني لو علمت نتيجة فعلتي لما أقدمت عليها، لأني حينها سأكون مرتكباً لأفعال لا يصح في وصفها سوى القول بأنها “مغامرات غير محسوبة النتائج”! [email protected] www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019