في الناس، من تصيبك الحيرة إذا أردت الكتابة عنهم، لأنهم أوسع من أن تختزلهم مقالة، أو يختصرهم كتاب. ومن هؤلاء الأديب السعودي الراحل، عزيز ضياء (1914-1997)، فهو رجل شاسع المعارف، واسع الاطلاع، طويل العمر، عريض التجارب، عميق الأثر، كبير المقدار، كَأَنَّهُ تَجسِيْدٌ لِبَيْتِ، ابن دريد:
والناسُ أَلفٌ مِنهُمُ كَوَاحِدٍ وَوَاحِدٌ كَالأَلفِ إنْ أَمرٌ عَنَا
وصفه مؤرخ الإعلام السعودي، د. عبد الرحمن الشبيلي، بـ «الأديب الناقد العملاق»، فقال: «ووصْفُه هنا بالأديب العملاق لا يقتصر على كونه روائياً مجيداً، فهو يستحق اللقب مُضاعفاً بوصفه صحافياً بارعاً، وفناناً مبدعاً، وإذاعياً محترفاً، تمتد ذائقته الإذاعية من الإلقاء إلى الإخراج، وانتقاء الموسيقى العالمية وصرفها كما تصرف السبائك الثمينة، فضلاً عن كتابة البرامج المنوعة والتعليقات السياسية باسمه الصريح أو المستعار».
واعتبر المفكر العراقي الكبير، علي جواد الطاهر، أن عزيز ضياء، «واحدٌ من الروّاد، فكراً وأدباً، ويعتبر من أفضل النقّاد السعوديين».
اتقن ضياء، بالإضافة للغة العربية، الإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والأوردية، وترجم أعمالاً لكبار الأدباء والروائيين والمفكرين العالميين، نشر بعضها في الصحف، وبعضها في كتب.
أديبنا المبدع، عزيز ضياء، وُلِدَ قاصاً، يَغرِفُ مِن بَحرِ ذاتِيَةٍ، فها هو يعترف قائلاً: «أحسست بالباعث على الكتابة عن حياتي، منذ فرغت من كتابة أول قصة قصيرة، نشرت لي في جريدة (صوت الحجاز)، كنت يومها شاباً تعبث بمشاعري وخيالي لمسات غامضة الاتجاه والغرض، من نوازع اليفع المجنون وأحلامه والمحلقة وراء آفاق. أُدركُ اليوم بعد أن طويت السبعين، كم كانت بعيدة مترامية الأطراف موحشة، ومع ذلك، كم كانت تبدو قريبة، محددة، واضحة المعالم، غنية بالاحتمالات الواعدة، والفرص المواتية، والسبل المفروشة بالورود والرياحين».
لقد أَحسنَ إلينا عزيز ضياء، إذ كتب سيرته الذاتية الماتعة، «حياتي مع الحب والجوع والحرب»، في أجزاء ثلاثة، أسهب فيها عن حياته، والسياق الاجتماعي الذي عاشه.
د. عبدالله منَّاع، المقرب من ضياء، يتحدث عن أسلوب أُستاذه، قائلاً: «كان أميز ما يميز الأستاذ عزيز في قصته مع الجوع والحب والحرب.. وفي غيرها من أعماله هو (أسلوبه)، الذي يشبه العمارات الضخمة والفاخرة الشاهقة.. وتلك النضارة الفكرية التي ظل يتمتع بها عطاؤه الأدبي طيلة سنوات حياته، وتلك الـ(نعم) الحاسمة والمبكرة التي أجاب بها على سؤال القرن العشرين: أين نقف من حضارة العصر؟».
ولد نجمنا، بالمدينة المنورة، في العام الذي اشتعلت فيه شرارة الحرب العالمية الأولى، التي سرعان ما وصل لهيبها، إلى أطراف الدنيا، حتى إن الطفل، عزيز ضياء، شعر بها، إذ وصلت نيرانها إلى المدينة، واكتوى أهالي المدينة بتلك النيران، حين قرر قائد الحامية العثمانية بالمدينة، جعل المدينة منطقة عسكرية، ويُرَحِّل أهل مدينة رسول الله أجمعين، ويُرسِلُهم إلى الشام، في عملية تهجير مأساوية، لم ترع إنسانية الناس، ولا قدسية طيبة!
خلت المدينة من أهلها تماماً، ولم يبق فيها إلا الجنود. أُغلِقَت المنازل، وختمت بالشمع الأحمر، وهُجِّرُ الناس قسراً من بلدتهم الآمنة. لم يكن ثمة، لتلك الأسرة، أبٌ، فقد سافر الوالد، إلى روسيا، ليجمع تبرعات، من أجل إنشاء جامعة بالمدينة، لكن أخباره انقطعت، فرَجَّحَت العائلة وفاته. عادت الأسرة إلى المدينة ناقصةً، إذ فقد عزيز عدداً من الأقارب، منهم أخوه الأصغر، وتزوجت الأم رجلاً، كان بمثابة الأب البديل لعزيز.
تعلم ضياء بالمدينة، ثم عمل بمكة المكرمة، في وزارة الصحة، ثم في الشرطة، التي رُقِّيَ فيها إلى ضابط، وفي أيام الوظيفة، كانت له حياة موازية، هي حياة الكاتب الأديب، الذي يكتب المقالات، ويطالع كتب الأدب، ويلتقي بأترابه، أمثال: حمزة شحاتة، وأحمد قنديل، وعبدالله بلخير، وغيرهم من جيل الرواد… ويتعلم اللغة الإنجليزية، على يد معلم خصوصي.
تعرض عزيز ضياء لعاصفةٍ تسببت بفصله من عمله، إثر وشاية زميل، ليتجه نحو القاهرة، ويدرس بثانوية الخديوي إسماعيل، فلم يحالفه التوفيق، ثم قرأ إعلاناً صحافياً، عن حاجة السفارة البريطانية، لمذيع ومترجم يتقن العربية والإنجليزية، للعمل في إذاعة عموم الهند، فاتجه للهند للعمل مترجماً ومذيعاً للأخبار في الإذاعة، رفقة زوجته السيدة أسماء زعزوع، التي عملت مذيعة بعد فترة أيضاً في الإذاعة نفسها.
يعود ضياء، بعد سنوات من الغربة، إلى السعودية، ليعمل بالإذاعة، نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، الفترة الذهبية للإذاعة، بشهادة المؤرخين والمتابعين، وأبدع عزيز ضياء عدداً من البرامج الإذاعية كتابة وابتكاراً وأفكاراً، وأضاف الكثير من ذائقته الموسيقية الراقية للإذاعة. مجدداً، عملت معه بالإذاعة زوجته، الأستاذة أسماء، التي اشتهر اسمها الإذاعي (ماما اسما)، ولحقت بهما ابنتهما دلال، التي أصبحت، ذات يوم، أول سيدة تتولى منصباً قيادياً في وزارة الإعلام، هو مدير عام إذاعة جدة، وأدارت مقعدها باحترافٍ موروث! أما ابنه، ضياء عزيز ضياء، فهو أحد كبار الفنانين التشكيليين السعوديين.
تقلب عزيز ضياء، في المناصب الحكومية، مديراً لمكتب مراقبة الأجانب، فوكيلاً للأمن العام، فرئيساً لقسم التنفيذ في الشرطة، فمديراً للخطوط السعودية، لكنه هجر العمل الحكومي، باتجاه الصحافة، فكان أول رئيس تحرير لصحيفة (عكاظ)، وبعدها رئيس تحرير جريدة (المدينة) 1964، فترةً لم تتجاوز أربعين يوماً، منتهجاً في إدارته أسلوب نشر صور لسيدات بملابس جريئة، كانت سبب إقالته، بعد نشره صورة لجاكلين كيندي بالمايوه!
نعود إلى عبدالله منّاع، وهو يصف لنا (أبو المواهب)، بقوله: «الأستاذ عزيز ضياء: الأديب والفنان الشامل، الذي كتب المقالة، والتعليق السياسي، والقصة القصيرة، والطويلة، والمسرحية، والمسلسلة الإذاعية، والتلفزيونية، والذي ترجم ما يقارب الثلاثين عملاً أدبياً لكبار كتاب العالم، وأكثرهم لمعاناً وبريقاً: من «طاغور» إلى «موليير» و«دوستوفيسكي»… ومن «تولستوي» إلى «شو» و«موم»… ومن «أوسكار وايلد» إلى «أونسكو» و«أورويل» و«جان جينيت»… والذي أسماه مجايلوه من الرواد بـ (الأب عزيز) لـ(تسامحه)، و(عاطفته الكونية)، و(نظرته الإنسانية) الشاملة، وأسميته – بعد أن توثقت علاقتي به – بـ(اللورد عزيز ضياء)، نظراً لـ «غليونه» الذي لا يفارق شفتيه، وآلته الكاتبة التي يكتب بها مقالاته دون مجايليه جميعاً، وبدلته (الثري بيسيسز)، التي يحرص على ارتدائها في السفر صيفاً وشتاءً، و(إنجليزيته) التي تفرَّد بها بين من جايلوه وسبقوه، وأصوات العصافير التي كنت أسمعها في مكتبه. وهي تختلط بأنغام مقطوعته الكلاسيكية المفضلة: (الأنثى) للموسيقار الفرنسي (فرانك بورسيل)… لقد كان (لورداً) حقيقياً… باذخ الوفرة والغِنى في كل شيء… إلا (المال)!».
لما جَاوزَ عزيز ضياء، عتبة السبعين من عمره، شرع في كتابة سيرته الذاتية، بعد إلحاحٍ شديد، من أصدقائه المقربين، الذين يعرفون، مقدار ما يمكن، لقلم كقلمه، أن يقدمه للقارئ العربي! كان كتابه «حياتي مع الجوع والحب والحرب» نازلةً أدبيةً، لقيت الاستحسان، وحازت الإقبال الشديد، من جمهور القراء، فقد استطاع ضياء، أن يقدم صورة درامية، عن حياته المديدة، والعريضة تجربة، والملونة بأنواع التقلبات، إذ عاصر العهد العثماني، وكان أحد ضحايا «سفر برلك»، والعهد الهاشمي، ثم صار واحداً من روّاد العهد السعودي، في مجالات عديدة.
لقد أهّلته تلك السيرة الذاتية الفاخرة، لنيل جائزة الملك فيصل العالمية، ولكن موعده مع القدر، كان أسبق من موعد الحفل، ببضعة أشهر، إذ أسلم عزيز ضياء، الروح إلى بارئها، في 1997، مُسدلاً ستاراً من حرير، على حياةٍ مُلَوَّنَةٍ، تستحق الوقوف عليها اعتباراً… ثم الوقوف لها إجلالاً.
* السفير السعودي لدى الإمارات.في الناس، من تصيبك الحيرة إذا أردت الكتابة عنهم، لأنهم أوسع من أن تختزلهم مقالة، أو يختصرهم كتاب. ومن هؤلاء الأديب السعودي الراحل، عزيز ضياء (1914-1997)، فهو رجل شاسع المعارف، واسع الاطلاع، طويل العمر، عريض التجارب، عميق الأثر، كبير المقدار، كَأَنَّهُ تَجسِيْدٌ لِبَيْتِ، ابن دريد:
والناسُ أَلفٌ مِنهُمُ كَوَاحِدٍ وَوَاحِدٌ كَالأَلفِ إنْ أَمرٌ عَنَا
وصفه مؤرخ الإعلام السعودي، د. عبد الرحمن الشبيلي، بـ «الأديب الناقد العملاق»، فقال: «ووصْفُه هنا بالأديب العملاق لا يقتصر على كونه روائياً مجيداً، فهو يستحق اللقب مُضاعفاً بوصفه صحافياً بارعاً، وفناناً مبدعاً، وإذاعياً محترفاً، تمتد ذائقته الإذاعية من الإلقاء إلى الإخراج، وانتقاء الموسيقى العالمية وصرفها كما تصرف السبائك الثمينة، فضلاً عن كتابة البرامج المنوعة والتعليقات السياسية باسمه الصريح أو المستعار».
واعتبر المفكر العراقي الكبير، علي جواد الطاهر، أن عزيز ضياء، «واحدٌ من الروّاد، فكراً وأدباً، ويعتبر من أفضل النقّاد السعوديين».
اتقن ضياء، بالإضافة للغة العربية، الإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والأوردية، وترجم أعمالاً لكبار الأدباء والروائيين والمفكرين العالميين، نشر بعضها في الصحف، وبعضها في كتب.
أديبنا المبدع، عزيز ضياء، وُلِدَ قاصاً، يَغرِفُ مِن بَحرِ ذاتِيَةٍ، فها هو يعترف قائلاً: «أحسست بالباعث على الكتابة عن حياتي، منذ فرغت من كتابة أول قصة قصيرة، نشرت لي في جريدة (صوت الحجاز)، كنت يومها شاباً تعبث بمشاعري وخيالي لمسات غامضة الاتجاه والغرض، من نوازع اليفع المجنون وأحلامه والمحلقة وراء آفاق. أُدركُ اليوم بعد أن طويت السبعين، كم كانت بعيدة مترامية الأطراف موحشة، ومع ذلك، كم كانت تبدو قريبة، محددة، واضحة المعالم، غنية بالاحتمالات الواعدة، والفرص المواتية، والسبل المفروشة بالورود والرياحين».
لقد أَحسنَ إلينا عزيز ضياء، إذ كتب سيرته الذاتية الماتعة، «حياتي مع الحب والجوع والحرب»، في أجزاء ثلاثة، أسهب فيها عن حياته، والسياق الاجتماعي الذي عاشه.
د. عبدالله منَّاع، المقرب من ضياء، يتحدث عن أسلوب أُستاذه، قائلاً: «كان أميز ما يميز الأستاذ عزيز في قصته مع الجوع والحب والحرب.. وفي غيرها من أعماله هو (أسلوبه)، الذي يشبه العمارات الضخمة والفاخرة الشاهقة.. وتلك النضارة الفكرية التي ظل يتمتع بها عطاؤه الأدبي طيلة سنوات حياته، وتلك الـ(نعم) الحاسمة والمبكرة التي أجاب بها على سؤال القرن العشرين: أين نقف من حضارة العصر؟».
ولد نجمنا، بالمدينة المنورة، في العام الذي اشتعلت فيه شرارة الحرب العالمية الأولى، التي سرعان ما وصل لهيبها، إلى أطراف الدنيا، حتى إن الطفل، عزيز ضياء، شعر بها، إذ وصلت نيرانها إلى المدينة، واكتوى أهالي المدينة بتلك النيران، حين قرر قائد الحامية العثمانية بالمدينة، جعل المدينة منطقة عسكرية، ويُرَحِّل أهل مدينة رسول الله أجمعين، ويُرسِلُهم إلى الشام، في عملية تهجير مأساوية، لم ترع إنسانية الناس، ولا قدسية طيبة!
خلت المدينة من أهلها تماماً، ولم يبق فيها إلا الجنود. أُغلِقَت المنازل، وختمت بالشمع الأحمر، وهُجِّرُ الناس قسراً من بلدتهم الآمنة. لم يكن ثمة، لتلك الأسرة، أبٌ، فقد سافر الوالد، إلى روسيا، ليجمع تبرعات، من أجل إنشاء جامعة بالمدينة، لكن أخباره انقطعت، فرَجَّحَت العائلة وفاته. عادت الأسرة إلى المدينة ناقصةً، إذ فقد عزيز عدداً من الأقارب، منهم أخوه الأصغر، وتزوجت الأم رجلاً، كان بمثابة الأب البديل لعزيز.
تعلم ضياء بالمدينة، ثم عمل بمكة المكرمة، في وزارة الصحة، ثم في الشرطة، التي رُقِّيَ فيها إلى ضابط، وفي أيام الوظيفة، كانت له حياة موازية، هي حياة الكاتب الأديب، الذي يكتب المقالات، ويطالع كتب الأدب، ويلتقي بأترابه، أمثال: حمزة شحاتة، وأحمد قنديل، وعبدالله بلخير، وغيرهم من جيل الرواد… ويتعلم اللغة الإنجليزية، على يد معلم خصوصي.
تعرض عزيز ضياء لعاصفةٍ تسببت بفصله من عمله، إثر وشاية زميل، ليتجه نحو القاهرة، ويدرس بثانوية الخديوي إسماعيل، فلم يحالفه التوفيق، ثم قرأ إعلاناً صحافياً، عن حاجة السفارة البريطانية، لمذيع ومترجم يتقن العربية والإنجليزية، للعمل في إذاعة عموم الهند، فاتجه للهند للعمل مترجماً ومذيعاً للأخبار في الإذاعة، رفقة زوجته السيدة أسماء زعزوع، التي عملت مذيعة بعد فترة أيضاً في الإذاعة نفسها.
يعود ضياء، بعد سنوات من الغربة، إلى السعودية، ليعمل بالإذاعة، نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، الفترة الذهبية للإذاعة، بشهادة المؤرخين والمتابعين، وأبدع عزيز ضياء عدداً من البرامج الإذاعية كتابة وابتكاراً وأفكاراً، وأضاف الكثير من ذائقته الموسيقية الراقية للإذاعة. مجدداً، عملت معه بالإذاعة زوجته، الأستاذة أسماء، التي اشتهر اسمها الإذاعي (ماما اسما)، ولحقت بهما ابنتهما دلال، التي أصبحت، ذات يوم، أول سيدة تتولى منصباً قيادياً في وزارة الإعلام، هو مدير عام إذاعة جدة، وأدارت مقعدها باحترافٍ موروث! أما ابنه، ضياء عزيز ضياء، فهو أحد كبار الفنانين التشكيليين السعوديين.
تقلب عزيز ضياء، في المناصب الحكومية، مديراً لمكتب مراقبة الأجانب، فوكيلاً للأمن العام، فرئيساً لقسم التنفيذ في الشرطة، فمديراً للخطوط السعودية، لكنه هجر العمل الحكومي، باتجاه الصحافة، فكان أول رئيس تحرير لصحيفة (عكاظ)، وبعدها رئيس تحرير جريدة (المدينة) 1964، فترةً لم تتجاوز أربعين يوماً، منتهجاً في إدارته أسلوب نشر صور لسيدات بملابس جريئة، كانت سبب إقالته، بعد نشره صورة لجاكلين كيندي بالمايوه!
نعود إلى عبدالله منّاع، وهو يصف لنا (أبو المواهب)، بقوله: «الأستاذ عزيز ضياء: الأديب والفنان الشامل، الذي كتب المقالة، والتعليق السياسي، والقصة القصيرة، والطويلة، والمسرحية، والمسلسلة الإذاعية، والتلفزيونية، والذي ترجم ما يقارب الثلاثين عملاً أدبياً لكبار كتاب العالم، وأكثرهم لمعاناً وبريقاً: من «طاغور» إلى «موليير» و«دوستوفيسكي»… ومن «تولستوي» إلى «شو» و«موم»… ومن «أوسكار وايلد» إلى «أونسكو» و«أورويل» و«جان جينيت»… والذي أسماه مجايلوه من الرواد بـ (الأب عزيز) لـ(تسامحه)، و(عاطفته الكونية)، و(نظرته الإنسانية) الشاملة، وأسميته – بعد أن توثقت علاقتي به – بـ(اللورد عزيز ضياء)، نظراً لـ «غليونه» الذي لا يفارق شفتيه، وآلته الكاتبة التي يكتب بها مقالاته دون مجايليه جميعاً، وبدلته (الثري بيسيسز)، التي يحرص على ارتدائها في السفر صيفاً وشتاءً، و(إنجليزيته) التي تفرَّد بها بين من جايلوه وسبقوه، وأصوات العصافير التي كنت أسمعها في مكتبه. وهي تختلط بأنغام مقطوعته الكلاسيكية المفضلة: (الأنثى) للموسيقار الفرنسي (فرانك بورسيل)… لقد كان (لورداً) حقيقياً… باذخ الوفرة والغِنى في كل شيء… إلا (المال)!».
لما جَاوزَ عزيز ضياء، عتبة السبعين من عمره، شرع في كتابة سيرته الذاتية، بعد إلحاحٍ شديد، من أصدقائه المقربين، الذين يعرفون، مقدار ما يمكن، لقلم كقلمه، أن يقدمه للقارئ العربي! كان كتابه «حياتي مع الجوع والحب والحرب» نازلةً أدبيةً، لقيت الاستحسان، وحازت الإقبال الشديد، من جمهور القراء، فقد استطاع ضياء، أن يقدم صورة درامية، عن حياته المديدة، والعريضة تجربة، والملونة بأنواع التقلبات، إذ عاصر العهد العثماني، وكان أحد ضحايا «سفر برلك»، والعهد الهاشمي، ثم صار واحداً من روّاد العهد السعودي، في مجالات عديدة.
لقد أهّلته تلك السيرة الذاتية الفاخرة، لنيل جائزة الملك فيصل العالمية، ولكن موعده مع القدر، كان أسبق من موعد الحفل، ببضعة أشهر، إذ أسلم عزيز ضياء، الروح إلى بارئها، في 1997، مُسدلاً ستاراً من حرير، على حياةٍ مُلَوَّنَةٍ، تستحق الوقوف عليها اعتباراً… ثم الوقوف لها إجلالاً.
* السفير السعودي لدى الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة 2019