نجد العبودية المطلقة، لكننا لا نعثر على حرية مطلقة!
الحرية ليست سهلة، أن تكون حراً يعني أن تأخذ قراراتك بنفسك، أن تبدأ بعمل أوتتركه، أن تباشر الحياة بقوتك أنت، أما العبودية فهي سهلة، أن تسير مع القطيع، وأن تستسلم للتقليد الأعمى تتشابه مع الجماهير التي بجوارك، أن تبقى حبيس قدراتٍ متواضعة، الحرية صعبة ومكلفة لأنها مسؤولية فردية، الناس يخافون من الحرية يهربون منها، يبحثون عن التبعية المطلقة، ويخافون من الحرية النسبية.
أحياناً تكون العبودية لرجل دين، وربما رجل مال، وفي حالاتٍ أخرى لطاغية أوزعيم عصابة. كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، وجدت فيه لفتات كثيرة عن الحرية والعبودية، يقول: “كشأن العبيد، يُذلّون أنفسهم أمام الطاغية، ويسبّحون بحمده، مع أنه جلادهم. وهيهات أن تسمو فوق هذه الأيام وهاتيك الليالي، إلا إذا حطّمتم الأغلال التي ولدت مع فجر يقظتكم، وكبّلتم بها شمس حياتكم”.
الأحرار هم الذين يختارون ويشكّلون حياتهم على الشكل الذي يريدون، والعبيد هم الذين يرضون بالذلة والتبعية والانطلاق مع الجماهير بلا تفكير أو استقلالية، كان الناس يقدسون طاغية من طغاة العرب قام بحربين كارثيتين على العرب والمسلمين ولم يمسّ إسرائيل إلا بهجوم أشبه بالمداعبة، ومع ذلك رأوا فيه العبقرية والدهاء والقيادة، وهو لا يعدو أن يكون زعيم عصابة خطيرة ذهبت وذهب تاريخها، يقول جبران عن العبودية للطاغية: “فهل لطاغية أن يحكم الأحرار والأعزة إلا إذا شاب حريتهم الاستبداد وخالط عزتهم العار؟”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: الحرية مسؤولية مرهقة، أن تكون حراً يعني أن تكون فرداً خارج الجماهير، وأن تكون حراً يعني أن تأخذ قراراتك المصيرية وأهداف حياتك بنفسك، لكن العبودية التي يحبها بعض العرب والمسلمين هي أن يسأل عن أي شيء يريد فعله لا للاستشارة وإنما للانضواء وراء رأي من الآراء يكون أسيراً له، يسأل شيخه عن كل ما يجري له، من ساحة بيته إلى ساحة حقله. ورحم الله نزار قباني حينما قال:
أنا حريتي فإن سرقوها… تسقط الأرض كلها والسماء!
قلتُ:نعوذ بالله أن تسقط الأرض ولا السماء، فقط انعموا بحريتكم الفردية وانزعوا أغلال العبودية!