لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما بكل ما جاء به من إدارة ومستشارين على اقتناع بالتعاون الحقيقي حد التحالف بين أميركا ودول الخليج! أراد منذ الوهلة الأولى الاقتراب من إيران. كان مغرماً بالفكرة، حد الوله، مفتوناً بها إلى درجة الإدمان. أبرم الاتفاق النووي مع طهران، معتبراً هذا الإنجاز تاريخياً سيذكر على رأس مكتسبات حقبته الرئاسية. والأكيد، أن هذه الحقبة، وإن حققت بعضاً من نجاح اقتصادي، إلا أنها لم تحقق نجاحاً سياسياً.
إخفاق ذريع وشنيع في المنطقة، انسحاب مخلّ من كل مواقع نفوذ أميركا، إخلاء الساحة للإرهابيين من تنظيم القاعدة وداعش وحزب الله وفلول إيران.
حوار أوباما الأخير، الذي كشف فيه عقيدته السياسية، كان واضحاً وصريحاً وكشف عن العقلية الحقيقية التي سيّرت أوباما طوال الولايتين السابقتين، ووصلت الولايات المتحدة إلى أدنى مستويات شعبيتها؛ فشلت في الموضوع السوري، وفي الثورات العربية، وفي كل الملفات السياسية تقريباً.
مقابلة مجلة «أتلانتيك» المثيرة مع أوباما تحدث فيها ببساطة أن المنطقة يجب أن تقسم بين دول الخليج وإيران، وازدرى السعودية معتبراً إياها مثل راكب مجاني كثير الاشتراطات والأمر، وفي هذا الصدد ردّ الأمير تركي الفيصل بمعلوماتٍ تدحض زعم أوباما؛ فالسعودية ليست راكباً مجانياً، بل مساهمة فعالة في الأزمات بالمنطقة، وشريكة لدول كبرى في العالم لمكافحة الإرهاب، وساهمت في لجم الآثار السلبية للثورات العربية، وصرفت من ميزانيتها مليارات الدولارات للمحتاجين في أفغانستان ثلاثة عقود، وكذلك أطفأت نيران حروب في مناطق متعددة من العالم.
تركي الفيصل قال: «نحن من قدّم جنودنا لكي يكون التحالف أكثر فعالية في إبادة الإرهابيين.
ونحن من بادر بتقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني للشعب اليمني، ليسترد بلاده من براثن ميليشيا الحوثيين المجرمة؛ التي حاولت، بدعم من القيادة الإيرانية، احتلال اليمن، ومن دون أن نطلب قواتٍ أميركية.
نحن الذين أسسنا تحالفاً ضم أكثر من ثلاثين دولة مسلمة، لمحاربة كافة أطياف الإرهاب في العالم. نحن أكبر متبرع للنشاطات الإنسانية التي ترعى اللاجئين السوريين واليمنيين والعراقيين.
إنّ وزيري خارجيتك ودفاعك شَكرَا، علناً، وفي مناسبات عدة، التعاون المشترك بين بلدينا.
إنّ وزارة خزانتك امتدحت، عدة مرات، إجراءات السعودية في كبح أي تمويل يمكن أن يصل إلى الإرهابيين». وتعليقاً على المقابلة، أورد المعلق في صحيفة واشنطن بوست دانيال دبليو درزنر «خمس أفكار» لخّص من خلالها أكثر ما فاجأه في المقابلة، وهي باختصار: «إن أوباما لا يحترم العاملين في السياسة الخارجية، أوباما يكن احتراماً أقل للزعماء العرب في الشرق الأوسط، هناك قليل من دونالد ترامب في باراك أوباما، إن الإخفاقات الأكبر لأوباما في السياسة الخارجية هي محلية بطبيعتها، أميركا قوة من أجل الخير».
تفاخر أوباما بتراجعه عن ضرب نظام الأسد، وتحدّث عن ضرورة إيقاف «العقيدة السياسية في الخارجية الأميركية» التي تقوم على الدفاع عن السعودية، معتبراً أساطيله لا تتحرك إلا لقمع الإرهاب كما يزعم، أو الدفاع عن إسرائيل ضد هجوم نووي محتمل.
يريد أوباما أن يحدث انقلاباً في البيت الأبيض ضد علاقات تاريخية بأبعادها الاقتصادية والسياسية. لاحظ الكل أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، منذ لقاء «كامب ديفيد» الخليجي، بدأت تعتمد على نفسها، تخوض الحروب بنفسها وبمروحياتها الدبلوماسية، تؤسس التحالفات وتردع الخصوم، قد تكون حالة أميركا هذه هي الخير لنا، أن نستمر في موازنة عواصفنا السياسية والأمنية لحماية حدودنا، ورفاه شعبنا، فالرهان على «مبدأ إيزينهاور» الدفاعي عن السعودية يجعلنا أكثر تراخياً.
انسحاب أميركا ونكرانها ليس نهاية العالم، بل البداية الصحيحة لدول الخليج، للاعتماد على النفس، ومعرفة الأصدقاء الحقيقيين، من أنصاف الأصدقاء!