هل انتهى زمن الورق؟!
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بشكل حاسم، لكنني عاطفياً “كائن ورقي”، برغم أني أجاهد للحاق بركب التكنولوجيا. أحب تقليب الكتب، وأغرق في أوراقي المبعثرة كثيراً، وإذا كان نزار قباني غرق في بحر الحب فصاح: “إني أغرق، إني أغرق”، فإنني بالفعل أغرق في أوراق موزعة وكثيرة. لكنني من الناحية العملية “كائن إلكتروني” محاط بأجهزة كثيرة، وسفن عملي كلها تبحر في محيط الإنترنت. ويبقى سؤال انتهاء الورق مُلحاً وضارباً في ظل تردد النبوءات بأزوف الرحيل هنا وهناك. وربما كان للأزمة الاقتصادية العالمية دورها في وأد بعض الصحف الورقية، وترحيل بعضها إلى قارة الإنترنت الثامنة.
رواية “الأمير الصغير” القديمة التي مضى على تأليفها أكثر من 65 عاماً عبارة عن رواية شاعرية وفلسفية من تأليف: أنطوان دو سانت أكزوبيري، وصدرت عن دار غاليمار الفرنسية الشهيرة، بيع منها 134 مليون نسخة في العالم، منذ صدورها عام 1943 في نيويورك، وترجمت الى 220 لغة. تحولت هذه الرواية أخيراً إلى مسلسل للرسوم المتحركة. الفكرة الرئيسة للرواية أن “الأمير الصغير” يفرّ من الورق إلى التلفزيون، الهدف من إحياء هذه الرواية –كما يقول ورثة المؤلف- أن: يحملوا: “رسالة من الأمير الصغير إلى أطفال القرن الحادي والعشرين من خلال وسائل الإعلام الجديدة بلغة مختلفة”.
إن طموح الأمير أن يهرب من الورق إلى التلفزيون، طموح تخيّله الروائي قبل 65 عاماً، عاد واقعاً في القرن الحادي والعشرين، في صالة المطار يضع المسافر جهاز “اللاب توب” في حجره، في مشهد يشمل معظم المسافرين. انفصلوا بها عن الواقع المعاش بين أيديهم، صارت الأجهزة هي مسكنهم. ما بين أجهزة الجوال الذكية، و”الآيباد”، والتقنيات الإلكترونية الأخرى، ومن النادر أن أجد قارئاً لجريدة ورقية، أما الكتب… فلم يحملها العرب معهم في المطارات قبل التقنية، حتى يحملوها بعد التقنية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: وإذا كانت التقنية فرضت نفسها كمهدد للورق، الذي حمل لنا كل إرث البشر كابراً عن كابر، إذا كانت التقنية بغنجها واستلطافها لنا واستعذابنا لشكلها قد فصلتنا عن “عاطفة الورق”، فإن السؤال بالفعل سيكون محزناً، هل سنفقد الأوراق التي نخطط عليها، هل سيكون “جمال الخط باليد” شيئاً من ذاكرة التاريخ؟ إنها أسئلة مزعجة، أظن أنني سأغرق-حينها- بالأجهزة، بعد أن غرقت بأوراق يميناً وشمالاً، حتى صرت أسير على “ورقٍ” كأن الريح تحتي!