لن ينصف أحد فقيد الأمة الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، الذي انتقل إلى جوار ربه أمس الاثنين أول أغسطس 2005، أكثر من التاريخ.
التاريخ الذي يقدم المآثر، ويتعاطى مع الأفعال باعتبار النتائج. التاريخ الذي لا يزوّر، ولا يحيف في تقييم الأعمال، ولا يميل في تقدير القرارات.
لم تكن السعودية طوال الفترة التي حكم فيها الملك فهد بن عبدالعزيز منذ 1982 وحتى وفاته في عام 2005، وقبل ذلك أيضاً -عند الأخذ في الاعتبار أن فهد بن عبدالعزيز كان هو المحرك الرئيسي للسياسة السعودية إبان ولايته للعهد في حقبة أخيه الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز- لم تكن السعودية دولة تعيش على هامش التاريخ أو الجغرافيا، أو الاقتصاد أو السياسة، أو حتى الدين، فهي من هذه المكونات في الصدارة.
أما الدين، فقدر السعودية مرتبط بالإسلام عقيدة وشريعة. وقد اختار تأكيد هذا الوثاق المتين مؤسس السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وسار أبناؤه على هذا النهج. والحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، يصنعان مكوناً أساسياً وفاعلاً في سياسات البلاد، وإلى المسجد الحرام يتوجه أكثر من مليار مسلم حول العالم في خمس صلوات يومية على الأقل، ويقصد السعودية في زيارة المشاعر المقدسة كل عام ملايين البشر، ويشكل الإسلام والعناية بالحرمين مفصلاً رئيساً في سياسات البلد.
ففي النظام الأساسي للحكم في مادته الأولى أن “المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية… دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله”. و”يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة” (المادة7). و”تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله”(المادة 23). “تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة”.(المادة 24).
أما التاريخ، فالأسرة الحاكمة السعودية تمتد لما يزيد عن 300 عام في حكمها للبلاد، عبر ثلاث دول هي الدولة السعودية الأولى، الثانية، والثالثة. واختيار السعوديين الإسلام منهجاً وشريعة، يقترن بتاريخ الإسلام الذي هو قدر الجزيرة العربية حيث بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة وأنشأ دولة الإسلام الأولى في المدينة.
وأما الجغرافيا فالسعودية تقع في وسط العالم رابطة بين شرقه وغربه. وأما الاقتصاد، فالسعودية هي المصدر الأكبر للنفط في العالم، وأكبر دولة تختزن أراضيها احتياطياً نفطياً. كل ذلك جعل السعودية تلعب دوراً سياسياً لافتاً في المنطقة والعالم.
وفي هذه الأجواء عاش فهد بن عبدالعزيز وهو منذ كان صبياً يافعاً، كان يقضي وقته في أروقة السياسة رفقة والده وإخوانه الكبار. فمنذ ولادة الملك الراحل في العام 1919 في كنف دولة والده الفتية آنذاك، التي ما برحت ناشئة إثر استعادة عبدالعزيز ملك آبائه، مؤسساً الدولة السعودية الثالثة. ولم يكمل فهد السادسة عشرة من عمره إلا وقد كان ضمن وفد رئسه شقيقه الملك فيصل إلى الأمم المتحدة، وبعدها بعامين أو ثلاثة كان موفداً نيابة عن والده في لقاءات زعماء البادية والقبائل. ومنذ تأسيس مجلس الوزراء السعودي قبل ما يزيد على 55 عاماً وفهد عضو أساسي فيه.
ففي 1953 عين وزيراً للمعارف (التربية والتعليم). وفي العام 1962 أصبح وزيراً للداخلية، ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء في العام 1967 بالإضافة إلى مهامه في الداخلية.
وإذا كان العلم والأمن هما أهم أساسين في تكوين المجتمعات المتحضرة، فإن تولي فهد حقيبتي التعليم والداخلية صاغ هذا المفهوم في ذهنه جيداً فانعكس ذلك على سياسته وحكمه بشكل كبير. فالسعودية من أقل الدول العربية في مستوى الأمية. وبات مستحيلاً أن تجد من هو دون الثلاثين من العمر في أرجاء المملكة الشاسعة وهو لا يجيد القراءة والكتابة. وستبقى سياسة فهد بن عبدالعزيز، باني الدولة الحديثة في السعودية، حديثاً للأجيال.
ولئن كانت التقارير الغربية التي تتحدث عن السعودية تشير إلى أن الملك الراحل كان يميل في سياسته إلى تعزيز العلاقات السعودية مع الغرب بعامة والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإن السياسة السعودية التي لا تعتمد على الإعلان والدعاية, والأضواء الإعلامية وجعجعة الصحافة وتطبيلها، وقفت ممثلة في فهد بن عبدالعزيز موقفاً صلباً عندما أمر السفير الاميركي في السعودية في العام 1988 بمغادرة البلاد احتجاجاً على تدخله في شأن لا يخصه, عندما احتج السفير الأميركي على صفقة الصواريخ الصينية التي أبرمتها الرياض مع بكين.
كان السفير الأميركي يعتقد أن توقيع هذه الصفقة بسرية ودون إخبار واشنطن الحليف الغربي القوي للرياض، يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الاستراتيجية السعودية- الأميركية. وكان الملك فهد يعتقد أن هذه “بجاحة” من السفير لا يجب أن تكون، وأن تدخله في شأن لا يخصه، فيما يتعلق ب
جميع الحقوق محفوظة 2019