الفساد في العالم العربي يوصف عادةً بأنه “متمكن”؛ متغلغل في المؤسسات والصفقات. الكوارث التي تحدث في الدول العربية سببها الفساد. المشروعات الفاشلة، وانهيار المدن، والكساد المالي والبطالة واندثار الطبقة الوسطى وذوبانها تحت خط الفقر بينما ينقسم المجتمع إلى قلة تحتكر رأس المال الكبير، وأخرى بسيطة لا تجد قوت يومها، كل تلك الصور هي مظاهر الفساد الحقيقية. الفساد صار جزءاً من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، وفاكهة مجالس الناس، لكنه في نظري يحتاج إلى بحث علمي أكثر دقةً وتركيزاً لأن كل الناس باستطاعتهم أن يتحدثوا عن الفساد حتى يملوا، لكن المهم أن نعرف أسباب الفساد الرئيسية، من خلال ثغرات القانون والنظام المتبع، ضعف مؤسسات الرقابة والمحاسبة، اليد الحامية للفاسدين وحمايتهم من قبل بعض المتنفذين. الباحث: سمير التنير في كتابه الصادر سنة 2009 والذي حمل عنوان:”الفقر والفساد في العالم العربي” بدأ دراسة علمية حول هذا السم النازف والذي يرهق جسد الحياة العربية قاطبة، كل المجتمعات العربية ذاقت علقم الفساد، إما لمال يغتصب منهم أو يمنعون منه. والثورات التي تحدث الآن في تونس ومصر سببها الفساد، وانعدام العدالة في توزيع الثروة، والاستئثار بالميزانيات، مقابل شعب تزداد البطالة فيه، والشباب لا يدرون أين يذهبون وتحارب حرياتهم يشعرون حينها بالقهر، فيثورون باحثين عن الحل أو الموت. تُعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه: “استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة”. أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه “إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص”. في كتابه يقول التنير:”الفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمنافسة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة تقديم رشى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. كما يمكن أن يحصل الفساد عن طريق استغلال أو سرقة أموال الدولة مباشرة ويمكن تبيان آليتين رئيسيتين من آليات الفساد من خلال هذا التعريف، أولها آلية دفع الرشوة والعمولة إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة وفي القطاعين العام والخاص مباشرة لتسهيل عقد الصفقات وتدبير الأمور، أما الثانية، فهي الرشوة المقنعة في شكل وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي. وهذه الظاهرة هي الأكثر انتشاراً في البلاد العربية”. من جانبٍ آخر، فإن الفساد لا يهيّج المجتمعات ضد الحكومات فقط، ولا يهدد الأمن القومي فقط بل يؤثر على بنية الاقتصاد نفسها:”الفساد في العديد من دول العالم ينطلق أحياناً من ضعف السلطة السياسية أو نتيجة إغفال تطبيق القوانين ويؤدي الفساد إلى نتائج سياسية واقتصادية في غاية الخطورة. فهو يؤدي أولاً إلى الانخفاض في مستوى الأداء الحكومي، ويشيع أجواء من عدم الثقة، وينشر الإحساس بالظلم، وتالياً يؤدي إلى تقويض الشرعية السياسية للدولة”. كل حكومة تريد البقاء على سدة الحكم تحتاج إلى أن تراجع آليات الرقابة والمحاسبة، هناك فساد ناخر يذبح مدناً بأكملها، صار شائعاً ولافتاً، الناس بدأت تتململ وتشعر بالأذى منه، وإذا أرادت الأنظمة الخائفة من زحف الثورات أن تبقى على قيد الحياة فلتبدأ بالإصلاح المالي أولاً، أن توزع الثروة المالية بالعدالة، وأن ينتهي الاستئثار الذي آذى الشعوب، الشعوب يا معاشر القراء تغيرت، اليوم الناس تستطيع أن تقرأ كل الأخبار والأحوال، كل الصفقات السرية والعلنية. فهل يمكن أن نعي هذا التطور الحاصل في مجتمعاتنا العربية؟ أم سندس رؤوسنا في التراب حتى تأتي غضبة شعبية تأكل الأخضر واليابس وربما تسببت بحمامات من الدم لا سمح الله؟ هذا هو السؤال!
جميع الحقوق محفوظة 2019