من السهل أن نتحدث عن خطر الإسراف، لكن من الصعب إيجاد آليات لدفع الناس نحو الاقتصاد في الصرف وتبديد المال. وهذا ليس من مصلحة الإنسان فقط بل من مصلحة البشرية، لأن الاستهلاك لا يضر بك أنت فقط بل يمس يوميات مليار إنسان في العالم لا يجدون ما يكفيهم من المأكل. مطعم “مرمر” بالدمام طبق منذ فترة غرامة داخلية لمن لا يكمل الوجبة التي يطلبها!
أعجبني الوعي لدى صاحب المطعم فهد العنزي الذي قال: “العولمة ألقت بتأثيراتها على المجتمع السعودي الذي أصبح متنوع الثقافات ويتقبل في أحيان كثيرة النقد البناء، على عكس الماضي، إذ لم يكن يتقبل الجديد بسهولة، ومع بروز الثقافة وثورة الاتصالات توسعت مدارك السعوديين وثقافتهم التي كانت سببًا في مرونتهم، رأيتُ مخالفات عدة في المناسبات والأفراح وقمت بتوجيه أصحابها وإرسال عدد من الإنذارات إليهم وقوبلت جميعها بالتشجيع والتأييد، وأعطوني وعودًا بعدم تكرارها، وأبلغهتهم أنه في حال العودة إلى مثل تلك التصرفات فسيتم فرض غرامة رمزية تحدد قيمتها على حسب الفائض من النعمة”.
أراد العنزي أن يقوم بحل عملي لهذا الخطأ الكبير الذي ترتكبه المجتمعات في العالم، ومن بينها نحن في السعودية، لأن “الكرم” لا يزال مفهوماً معكوساً ومغلوطاً، يظنّ البعض أن ملء الطاولات بالطعام، الذي يثق الجميع تماماً أنه لن يؤكل، من أشكال الكرم! ناسين أن الكرم خلق ذاتي، وأن هناك مسافة كبيرة بين الكرم والإسراف. صحيح أن الإنسان يجب أن لا يُقَتّر على نفسه، أو أن يبدو غريباً بين الناس، لكنّ لكل شيء حدودا. بل إن من الأناقة في الوليمة أن تكون مختصرةً ومفيدة ولا إسراف فيها، وحين نتعود على هكذا (كرم)، نستطيع أن نفهم كيف نكون ضمن العالم وضمن حاجات البشر من دون إفراطٍ في إسرافٍ أناني كبير.
قال أبو عبدالله غفر الله له: نعم الغرامة هي عقوبة داخل المطعم، وتقبلها الزبائن بصدرٍ رحب، فاكتشفوا الإسراف، الذي لم يكونوا ينتبهون إليه، مع تلك الغرامة الرمزية.
ثمة تقليد مهم لدى السعوديين كنا نذكره ونحن صغار وهو أن يتصل صاحب الوليمة على الجمعية الخيرية القريبة ليأخذوا ما تبقى من المناسبة ويعطونه للأفواه الجائعة الخفية، والتي لا ندري أين هي، ربما نراهم أو يكونون جيراننا لكن “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”.
أعجبتني مبادرة العنزي الإيجابية لدفع وعي الناس نحو الأفضل، كثر الله من أمثال هذه النماذج الحية.