مع احتدام الصراعات بين التيارات في السعودية تشكّلت المؤسسات وفق مرجعياتها الفكرية. أصبح التيارالذي تحسب عليه المؤسسة يتحسس من أي نقد. يظنّ أن النقد الموجه ضد هذه المؤسسة هو موجه له بالضرورة. وربما كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوضح المؤسسات التي ينافح عنها تيار يظنّ أنه هو المقصود.
أذكر أنني استضفت الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت في “إضاءات” وحين سألتُه عن نقده للهيئة قال لي إنه ينتقد الدفاع المدني والمرور ومؤسسات المياه وغيرها من دون أن تأتي ردة الفعل التي تحدث مع نقد الهيئة، وهذا يؤكد أن نقد الهيئة يتحسس منه تيار واحد.
عاد جدل الهيئة مع فتاة المناكير، والتي انتشر المقطع وتداوله الناس على نحوٍ واسع، وهذا المقطع يشرح الأزمة التي لم تحل حتى الآن بين الهيئة والمجتمع، يعبر عن المسافة المقلقة بين الهيئة والمجتمع، مع أن الهيئة تتطور مع رئيسها الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ والذي حرص على توعية الموظفين بخطورة الاعتداء على الآخرين أو الإساءة لهم. الروايات اضطربت حول فتاة المناكير بعضهم يقول إنها غير محتشمة، وأياً كان مفهوم الاحتشام غير أن إثارة الجدل على النحو الذي دار في المقطع المصوّر لا يبشر بخير، ولا يجعلنا نتفاءل بتحسّن العلاقة بين المجتمع والهيئة.
الرئيس العام للهيئة قال كلاماً واضحاً لصحيفة عكاظ قبل أمس حين قال: “رجال الهيئة موظفون رسميون يمثلون الدولة وليسوا متطفلين فهم يقومون بواجب أناطه بهم ولي الأمر، أما في ما يخص هذه الحادثة فإننا لن نستعجل حتى نستوضح حقيقة ما جرى وسنتأكد في ما إذا كان لأحد الطرفين الحق”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى أن تكون هذه الحادثة بوابة لدراساتٍ مطولة عن علاقة الهيئة بالمجتمع، يشارك فيها المؤرخ والمتخصص الاجتماعي والباحث الشرعي، ذلك أن هذا التنامي لحوادث التنافر بين الهيئة والفرد من المجتمع لا تجعلنا نطمئن على مستقبل هذه المؤسسة السلمي مع الآخرين. حادثة المناكير ليست تافهة كما قال بعض من يقارن انشغال المصريين بالديموقراطية، وانشغال السعوديين بالمناكير. حادثة الفتاة تعبر عن أزمة علاقة متراكمة بين المجتمع وإحدى مؤسساته العريقة.