لا أدري إن كان على كل وظيفة تطرح على النساء يجب أن تمر من قنطرة الفتوى!
العمل ما دام شريفاً ويحقق الكفاف فإنه يكون محموداً، به تنزع المرأة الكسل والخمول عن بيتها ونفسها. كانت المرأة تحتطب وتأتي بالماء من البئر، وإذا قرأنا القرآن نجد أن موسى حينما قدم إلى “مديَن” وجد النساء يعملن، قال تعالى: “ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير”.
قلتُ: هذا على مر التاريخ، لم يكن العمل للمرأة عيباً ولا إثماً! أما اليوم فيدور الحديث حول عملها بمناسبة أو من دون مناسبة، عن حكم عمل الفتاة في هذه الوظيفة، وحرمة عملها في تلك الوظيفة. مع أن تاريخ الجزيرة العربية مليء بنماذج عمل المرأة في مختلف المهن!
أعجبني تقرير المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الذي ورد فيه: “تم تخريج أول دفعة من متدربات المعاهد العليا التقنية للبنات في الرياض وجدة وتبوك والقصيم والمدينة المنورة، وتم تفعيل برنامج الدبلوم الموازي في قطاع التدريب التقني للبنات في جدة، والمدينة المنورة والقصيم، وتبوك، والأحساء، كما تم تدريب المتدربات من ذوات الاحتياجات الخاصة في الدبلوم الموازي في قسم التقنية الخاصة، تخصص تطبيقات مكتبية وصيانة الحاسب الآلي لفئة الصم”.
بل إن المؤسسة قبلت ثلاثة آلاف من بين نحو 48 ألف فتاة تقدمن للالتحاق بـ14 معهداً عالياً تقنياً للبنات. لا أظنّ أن هناك مشكلة في أن تعمل المرأة في إصلاح جهاز راديو، أو مسجل، أو كمبيوتر، أو أن تكون مصممة أثاث أو فنانة في الأزياء أو أي حرفة يدوية تحقق لها الشعور بالاستقلال والكفاف والعيش بهناء. والمؤسسات المعنيّة بالتأهيل يمكن أن تقوم بتدريب المرأة في أيّ مجالٍ من المجالات.
الأصل في العمل الإباحة وليس العكس حتى نستفتي حول كل وظيفة هل هي محرمة أم مباحة؟!
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن الحواجز التي توضع ضد عمل المرأة أوهام نفسية نشأت تحت ظنّ خاطئ يوهم صاحبه بأن المرأة حينما تعمل في غير المهن التقليدية فإنها ستكون في بيئة ملوثة، لكن التجارب التي علمنا إياها التاريخ تثبت أن المرأة مصانة، وأن البلد فيه أمن ورقابة وهناك مؤسسات تحميها وتقف معها، وإن كنتُ أتمنى من مجلس الشورى أن يناقش قضايا التحرش بجدية لوضع نظام صارم أسوةً بالدول الأخرى لتتبخر ظنون الواهمين.