وجد الإنسان على هذه الأرض لعمارتها. والنبي عليه السلام يقول: “خير الناس أنفعهم للناس”. والمواقف التي تتالت أخيراً بعد وفاة “ستيف جوبز” كانت تعبر عن مشكلة حقيقية لدى البعض، حيث تركوا علومه وبدأوا يتناقشون في عقيدته. مع أن جوبز لم يكن يطرح آراء عقائدية، بل كان ينتج العلوم والمعارف. وتعجبني مقولة للشنقيطي حين قال: “إنك لن تسأل لماذا لم تلعن فرعون، بل ستسأل يوم القيامة ماذا عملت”. واللعن بهذا الشكل الذي ظهر لا يعبر عن السلام الذي يجب أن نكنه للعالم، ولا عن المشتركات الضرورية التي يمكن أن نتشارك فيها بين البشر!
والذي ينفع الناس من خلال إنجازاته يجب أن يشكره الناس، ولا أظن أن في شكر المبدعين مشكلة، أياً كانت عقائدهم أو جنسياتهم أو ألوانهم. الإبداع بشري لا لون له ولا انتماء، الإبداع محايد لا عقيدة له. فالآيباد ليس مسيحياً، لأن الدين خارج نطاق المنجز العلمي. كلما مات مبدع أو منجز يتناقش البعض في عقيدته، حتى أسسنا أضخم مختبر فحص عقائدي في العالم، ولو كان جوبز مسلماً لبحثوا في مذهبه، ثم لو كان سنياً لبحثوا في اتجاهاته الفكرية أعلماني هو أم إسلامي؟ وهكذا في فحوصات دائمة وأبدية لا تلبث أن تخرجه من أي قيمةٍ أو أي شكرٍ يمكن أن يحصل عليه.
إنني لا أدافع عن جوبز، فإنجازاته هي التي تدافع عنه، كما أن أمته الأميركية أعطته حق قدره، لكنني أطرح مشكلة أيها السادة.. إن الفضائل مشتركة بين البشر، فالصدق والإحسان والكرم والبذل من الخصال البشرية المشتركة، والذين يظنون أن الأخلاق مقتصرةً على أتباع دينهم فهم من الواهمين. والإنسانية هي العائلة الكبيرة، والأخوة أخوّتان، أخوة دينية وأخوة بشرية، وأخوّتنا مع الآخرين المختلفين في دياناتهم من شتى أنحاء العالم أخوة بشرية حقيقية. ونوالي الخير من أي مصدرٍ كان ونعادي الشر من أي مصدر كان. وفي الحروب التي خاضها المسلمون على مر تاريخهم كان بعض أتباع الديانات الأخرى يسعفونهم. ألم تتحالف قوى الخير في حرب الخليج من مختلف الدول والديانات لهزيمة قوة الشر “صدام حسين” الذي كان مسلماً، إذاً الخير أشمل من انتماء الشخص للدين.
قال أبو عبدالله غفر الله له: ولن تسأل عن لعن فرعون، ولا عن لعن جوبز، بل ستسأل عن الذي أنجزت، أما أن “تحكك” ذقنك في الاستراحة متبطحاً متسدحاً ثم تبدأ بتقييم هذا وفحص عقيدة ذاك فإن هذا لن يجدي لك نفعاً!