لعلاقة الإنسان بحلمه قصة قديمة. الباحثون ربطوها بالإنسان القديم. كان يرى في أحلامه ما يثير اهتمامه. كان هذا قبل الاكتشافات العلمية الحديثة قبل فرويد وراين. الكثير من الناس لا يعرف أن الأحلام مسألة عادية وأنها انعكاس لتراكمات الواقع وضغوطات يوميات الحياة.
هل يمكن أن نختصر فكرة الحلم ببضعة أسطر؟ يمكنني أن أختار بضعة أسطر من كتاب: “الأحلام بين العلم والعقيدة” لعالم الاجتماع العراقي: علي الوردي، وهو من أجمل وأمتع وأبسط الكتب التي تحاول مقاربة لغز الحلم.
يقول الوردي في الكتاب: “إن الأحلام كلها سواء لا فرق بين ما يظهر فيها قديس أو يظهر فيها شيطان، إذ إنها ناشئة عما يخالج ذهن الإنسان أثناء يقظته ثم يراه في نومه على وجه من الوجوه. فلو دققنا جرساً بالقرب من بضعة أشخاص نائمين فإن ذلك قد يؤدي بهم إلى رؤية أحلام لها صلة بدق الجرس. ولكن كل واحد منهم قد يرى من الأحلام ما يوافق هواه وذكرياته ورغباته الدفينة. إن دق الجرس قد يجعل أحد النائمين يحلم بجنازة أحد أعدائه بينما هو يجعل غيره يحلم بلقيا حبيبته أثناء الصلاة في كنيسة. وقد يحلم آخر بانتهاء درس طويل وممل”.
إن هذا التفسير العلمي النفسي، وما تبعه من تحليلات أخرى لم تنته إلى اليوم تنهي الفزع والتحاشد الاجتماعي لدى المجتمعات البسيطة متجهةً نحو مفسّر أحلام يعدهم بلذائذ المستقبل، أو يردعهم عن كوارثه. إن حلمك تعبير عن أشيائك ومكنوناتك ومكبوتاتك فلا تذهب إلى مفسّر أبداً، يكفي أن تعرف نفسك أكثر، بعيداً عن الطرب للخرافة، والانتشاء بروايات الأحلام.
قلتُ: والقنوات الفضائية الهامشية انتبهت لهذه المسألة وهي منذ سنوات تلعب على وتر خداع تفسير الأحلام. وبعضهم مخادع، والآخر جاهل، والبعض لا يعلم عن جهله. والناس يتهافتون على تلك السوق الرخيصة لتفسير الأحلام واستشراف الغيب. لكأن الأحلام صارت هي الواقع، وانقلب الواقع إلى حلم. يبحث الناس عبر أحلامهم عن مصائرهم عن مستقبل يتمنونه، أو عن مدى يريدون الوصول إليه. بينما يمكن أن يبلغ الإنسان ما شاء من مكانة، وأن يجني ما يريده من مال، في حال حافظ على الشروط التي يتطلبها الواقع بعيداً عن زيف الأحلام وخداعها.