كنت في سفر ولا أزال، وجاءني الاتصال يحمل صوت سيدة فاضلة. عرفت بنفسها، ثم قالت لي إنها قرأت مقالي الأخير (ضد النجاح) الاثنين 28/11/2005. رحبت بها، وانتظرت تعليقها. قالت: يبدو من المكالمة أنك في الخارج. أجبت: هذا صحيح، فأنا على سفر. قالت: لا أريد أن أشغلك. قلت لها: تفضلي على الرحب والسعة. قالت: هل دافع السفر والانشغال، جعلك توكل لأحد ما أن يملأ زاويتك بأي كلام! بكلام أستغربه منك! قلت لها: بل كتبت حروف الزاوية بيدي وأنا مؤمن بكل حرف فيها. واصلت محاولاً شرح الفكرة. فقالت: انت تقول ان كل المثقفين والنخبويين هم أعداء النجاح وانهم تافهون ويمارسون محاربة النجاح بانتقادهم أصحاب الافكار السطحية! قلت: اولاً أنا لم أقل كل، بل قلت معظم. قاطعتني قائلة: وماذا عن الأفكار السطحية، هل يجب ان نتغاضى عنها حتى نكون من أنصار النجاح في ذهنك؟ قلت: هذا إلزام ما لا يلزم. ما قلته هو ان الانتشار نجاح لا يعبأ به معظم النخبويين العرب. هناك عناصر أخرى للنجاح منها تقديم مادة مميزة. لكن تقديمها في قالب غير مشوق وغير مقبول من الناس خدش لهذا النجاح.
قالت محدثتي: عموماً كنت سأتأكد أنك انت وليس غيرك كاتب الزاوية. أجبت: بل أنا كاتبها بشحمي ولحمي ومداد قلمي. انتهت المكالمة.
ليس هاجسي ان أوجه الاتهامات لأحد، وهذه هي رؤيتي الشخصية، وانا مؤمن بها، وأقبل الاختلاف، وأفرح بالنقاش، لكنني لم أتنازل عن الفكرة.
صحيح أن هناك نخباً تصدر أفكاراً جميلة ورائعة، لكن معظم هؤلاء ليس لديهم القدرة على تسويق هذه الأفكار ولا نشرها، وإن حاولوا فإن اساليبهم لا تجد قبولاً لدى الغالبية. هناك فئة ثانية اقل نخبوية وتميزاً في تصدير الأفكار ابتداء، لكنها قادرة على تقديم أفكار الفئة الأولى في قالب ممتع وترويجها في اشكال مميزة. وهناك فئة مستقبلين.
هناك صنف رابع من الناس، يضع رجلاً على رجل، ولا يحسن شيئاً إلا إصدار الأحكام وتقويم خلق الله، وتصويب هذا وتخطئة ذاك، دون ان يكون له سهم في معادلة الانتاجية ودورة الأفعال.