تقول العرب: الشيء من مصدره لا يستغرب. وأنفذ من المثل العربي إلى الحديث عن الإعلام العربي.
كثيراً ما سئلت –ولست أهلاً للسؤال إلا من باب حسن الظن- عما يُصر السائل على تسميته تخلفاً في إعلامنا. وتزيد نسبة الدبلوماسية فيغير التخلف آخرين مستخدمين بدلاً منه كلمة ألطف هي”ضعف”، وتتفرع الصيغ للحديث عن عدم قدرة على مواكبة الحدث، والبعد عن الاحتراف، ونحوها.
وكنتُ ولا زلت أجيب مؤكداً أن الإعلام العربي لا يعمل بمعزل عن مناحي الحياة العربية كافة، فأصلحوا لنا حياة الإنسان العربي، ليتواكب الإعلام مع إصلاح الفرد، لكن الحديث عن تضعضع الإعلام، وكأن التعليم والاقتصاد والتنمية والصحة والثقافة والسياسة العربية في أحسن حال أو على الأقل في منأى عن هذا التضعضع، هو نقص في الكيل، وتطفيف في التقويم أصلاً، وما بني على باطل فهو باطل.
أقول ذلك مقدماً لحديث نقدي عن الإعلام العربي والصحافة بالذات، تلك التي ترتكز عليها بقية فنون الإعلام من تلفزيون أو إذاعة أو إعلام إلكتروني.
لكن كون الإعلام العربي جزءاً من الواقع العربي المرير، لا يعني الركون إلى عدم نقده، بغية المساهمة في رتق ما انشق من ثوبه، وما لا يدرك كله، لا يترك جله.
إن فنون الصحافة وأشكالها متعددة، وليس هذا موضع بسطها، لكن الخبر بالنسبة إلى بقية الأشكال الصحافية في منزلة القلب من الجسد؛ مدار حياة الأعضاء قائم عليه روحياً، وفيزيائياً.
لقد احتل الخبر مكانته بين باقي فنون العمل الصحافي بعد عقود البداية الصحافية، إثر استقرار مفهوم المهنة وتشكلها، وأصبحت الصحف في العالم كله تفرد صفحاتها الأولى للأخبار أولاً، ما أعطى الخبر مع الوقت أهمية كبرى، مقارنة بأنماط العمل المهني الأخرى.
وكثيراً ما يردد الإعلاميون المحترفون أن للخبر قدسية، فما وجه تقديسه؟
إن مكمن القداسة في الخبر يأتي لجهة قدرة الخبر المتكامل على النهوض بنفسه دون غيره من الأشكال المهنية، بل إن دخول غير الخبر عليه، سوء في الصنعة، وفساد في المهنية، ولب الخطورة في إضافة الرأي إلى الخبر.
لقد أفسدت الصحافة الحزبية التي يعتقد أنصارها أن الصحافة موقف، المهنية الخبرية، فاعتقادهم بوجوب بيان الموقف جعلهم يفرضون آراءهم على قارئ الخبر، وكأنهم يريدون أن يفكروا نيابة عنه، ويختاروا له الموقف الأنسب حيال الخبر، واستشرت هذه الثقافة حتى بعد انحسار الصحافة الحزبية، فذهبت الأحزاب، وبقيت وصاية بعض الصحافيين على القراء والمتلقين.
يفترض في الصحافي أن يكون خادماً للقارئ، فكيف يسيء الخادم إلى المخدوم بانتقاده ضمنياً قدرته على تحديد موقف حيال الحدث، عندما يفرض رأيه داخل الخبر؟
إحدى الصحف العربية اختارت لوفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عنواناً على ثمانية أعمدة من صفحتها الأولى: شهيد… شهيد… شهيد!
هل يعتقد زملاؤنا في هذه الصحيفة أنهم ينتصرون لأبي عمار رحمه الله بهذا العنوان البعيد عن المهنية؟
ثم ألا يكفي المتلقي العربي نبأ الوفاة فقط لكي يقر بنضال وكفاح عرفات الذي عاصره المتلقي وتعاطاه كما الخبز اليومي؟!
صحيفة عربية أخرى، تسمي رئيس الوزراء الإسرائيلي في تغطية أخبار الصراع العربي الاسرائيلي، هولاكو!
فهل يحتاج القارئ العربي هولاكو ليستبين قبح شارون؟! ثم إن شارون عند بعض القراء العرب أشد سوءاً من هولاكو وجنكيز خان وشلة المغول كلها، فلماذا نكون أوصياء على المتلقي بإضفاء رأينا على الخبر؟!
انتهى زمن الوصاية والأبوية والرعوية عند معظم السياسيين، فمتى ينتهي عند الصحافيين؟!.
جميع الحقوق محفوظة 2019