بقلم: تركي الدخيل
٩ مارس ٢٠٢٤
عن عمر يناهز 82 عاماً، انتقل إلى رحمة الله تعالى، مساء الأربعاء الماضي، الأديب الأريب الأستاذ، محمد بن عبدالرحمن بن عثمان الشارخ (1942 – 2024 م)، أسأل الله أن يتقبله قبولاً حسناً وأن يحسن ضيافته، بمنه وكرمه تعالى.
والأستاذ الشارخ، نسيجٌ وحده في الريادة والتفرد، وخدمة اللغة بالتقنية، ودعم الأدب بالمبادرة، والفضل، وكريم المناقب.
ونعى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي الفقيد الراحل، الذي “يعد من أبرز رجال الأعمال الوطنيين الذين أسهموا بشكل كبير وملحوظ في دعم الثقافة وحماية اللغة العربية من موجات التغريب، وكان له الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الحواسيب للمرة الأولى في التاريخ، في حقبة الثمانينيات”.
والعرب مدينون تقنياً بالفضل لأبي فهد، رحمه الله، فهو أول من أدخل اللغة العربية للحواسيب، عبر تأسيس (شركة صخر للحاسب)، في عام 1982، وطورت صخر تقنية التعرف الضوئي على حروف اللغة العربية، كما عملت على صناعة برمجيات تحويل النصوص إلى كلام منطوق.
ولا زلت أذكر كيف أَدخَلَتْ إلى نفسي السرور والحبور، هدية سيدي ووالدي أدام الله فضله، ومتَّع بحياته على صحة وعافية، ولم أكن بلغتُ حينها العاشرة من عمري. كانت هدية ثمينة، قيمة، تملأ أوقاتي بسعادة غامرة، وفائدة عامرة، وهو حاسوب (صخر) العربي، وكان في ذلك الوقت فتحاً من الفتوحات، لا يستطيع من لم يعش اللحظة حينها إدراك حجمه وتصور أثره.
أَصدُقُكُم أنه يصعب وصف ما كان يشكله (صخر) لكل من يستخدم الحاسب الآلي من منجز عظيم، يفتح لك أبواب عوالم التقنية بلغتك العظيمة، ويسخَّر لك بكل يسر وسهولة الاستفادة العظمى من برنامجي القرآن الكريم، والحديث الشريف، والوصول إلى نصوصهما، وفقاً لموضوع الآية أو الحديث، في ثوانٍ معدودة، بعد أن كان ذلك يستغرق ساعات وأياماً.
كانت فرحتي عارمة، بفوز الشارخ، بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وبعثت له رسالة تهنئة، تفيض بمشاعر السرور، والامتنان على ما قدم لي وللغتنا الرائعة، وحدَّثتُهُ عن طفولتي التي أسهم هو عبر صخر بإثرائها، فردَّ علي -أنزل الله عليه شآبيب الرحمة- برسالة رقيقة، أضع منها نسخة هنا.
لقد سَخَّر الأستاذ الشارخ اعتزازه بهويته العربية الإسلامية، وما وهبه الله من ألمعية، وذكاء، وفطنة، وإصرار، ودَأبٍ بحثي وعملي، فرحل إلى رحاب ربه، مُوَّرِثاً سيرةً حميدة، حافلة بأعمال جليلة ومنجزات غير قليلة، ومسيرة مكللة بالمفاخر.
خصال الفضل في أهل المعالي مُفَرَّقَةٌ وَأَنتَ لها جماع
إنه أول من بادر إلى برمجة وتطوير برنامج حاسوبي للقرآن الكريم، والحديث الشريف، وقواعد البيانات الإسلامية في مطلع الثمانينات.
روى الفقيد الشارخ (الشامخ)، في مقابلة أجراها معه الزميل عبدالله المديفر، عام 2021، قصة عرضه برنامج القرآن الكريم، والحديث الشريف، في العام 1982، على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي السعودية الراحل، وكان الشيخ، رحمه الله، طبقاً للشارخ، يبحث عن حديث منذ شهرين، هو حديث الوحدة، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم ألا يبيت الرجل وحده ولا يسافر وحده، ولم يهتد لبغيته، ولَمَّا قدَّم الشارخ شرحاً للبرامج، طلب الشيخ منه البحث عن الحديث، فتوصل إليه فوراً، فأبدى الشيخ عجبه وإعجابه، وقال عن البرنامج: (إنه عمل خارق)، وأجاز طرح البرنامجين رأساً.
كانت نَفْسُ أبي فهد تَوَّاقة إلى العُلَى، وروحه مُعَلَّقة بالمجد، وطموحه في تقديم كل ما من شأنه الرُقِي بأهله وأمته، فصدقَ فيه قول المتنبي:
يَمشي الكِرامُ عَلى آثارِ غَيرِهِمِ وَأَنتَ تَخلُقُ ما تَأتي وَتَبتَدِعُ
وعلى أن فقيدنا، غفر الله له، عاش في الولايات المتحدة فترات متقطعة، أحدها للدراسة، فحصل على شهادة الماجستير في التنمية الاقتصادية بكلية ويليامز بولاية ماساتشوستس، والأخرى للعمل نائباً للمدير التنفيذي بالبنك الدولي لإعادة البناء والتنمية، إلا أن حرصه على لغتنا العربية العظيمة، أَنجَحَ مبادِئهُ، وشَرَّفَ تواليه، فهو إضافة على كونه أول من أدخل اللغة العربية إلى الحاسوب، عمل على تطوير القارئ الآلي والترجمة الآلية والنطق الآلي. كما أسس شهم الفؤاد، محمد الشارخ، مشروع (كتاب في جريدة)، بالتنسيق مع منظمة “اليونسكو”، عام 1997.
وأسهم في تمويل (مركز دراسات الوحدة العربية)، و (المنظمة العربية للترجمة)، وهو أحد المُساهمين في تأسيس معهد العالم العربي بباريس. ووَفَّرَ أرشيف المعلومات الإسلامية، والتعرف الضوئي على الحروف العربية عام 1994، ونطق الحروف العربية عام 1998، والترجمة من العربية وإليها عام 2002، وترجمة التخاطب الآلي عام 2010.
ولأن لأبي فهد، هِمَّةٌ بعيدةُ المرمى، عمل على تطوير العديد من البرامج التعليمية والتثقيفية، وتعليم البرمجة للناشئة التي تجاوز عددها 90 برنامجاً، ونشر كتب تعليم الحاسوب وتدريب المدرِّسين، وتأسيس معاهد تعليم برمجة الحاسب.
ما من مصيبة نكبة أرمى بها إلا تشرفني وترفع شاني
وإذا سألت عن الكرام وجدتني كالشمس لا تخفى بكل مكان
ولأنه رجلٌ فطنٌ، تفَطَّنَ لأهمية الأرشيف بالنسبة للباحثين، فوفر لهم مجاناً موقع الشارخ الضخم الرائع، لأرشيف المجلات العربية، فأصبح أرشيف ملايين الصفحات، عند طرف أنامل الباحث، لا يحتاج إلا أن يداعب بها لوحة المفاتيح، فتتدلى أمام ناظريه صفحات مجلات، عمر بعضها يزيد على مائة عام!
ولا نملك أمام فقد شهمِ مثل أبي فهد، محمد الشامخ، إلا أن ندعو الله أن يجزيه عنّا وعن أمته خير الجزاء، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن يغفر له ويرحمه رحمة واسعة، وأن يعين أسرته الكريمة ومحبيه على مصيبة فقده، ويرزقهم الصبر والسلوان.
** موقع أرشيف المجلات، https://archive.alsharekh.org نشر على صدر صفحة المدخل، نعياً للشامخ/ الشارخ، جاء فيه:
ننعي ببالغ الحزن والأسى فقيد الكويت والعالم العربي والإسلامي، رجل الأعمال الكويتي محمد عبد الرحمن الشارخ، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر لبرامج الحاسب، الذي وافته المنية يوم الأربعاء الموافق 6 مارس 2024.
الشارخ، رائد تقنية اللغة العربية في عالم الحاسب: أسس شركة صخر للحاسب عام 1982، أول شركة حاسب عربية تُدخل اللغة العربية إلى عالم الحاسب الآلي. كان من أول من طور برامج عربية للتعليم وساهمت شركته في تطوير أول حاسب منزلي عربي باسم صخر-MSX.
ساهم بشكلٍ فعال في تطوير تقنية التعرف الضوئي على حروف اللغة العربية، وبرمجيات تحويل النصوص إلى كلام منطوق.
قام بتطوير أول برنامج للقرآن الكريم والحديث الشريف وقواعد البيانات الإسلامية.
وضع أسس معالجة اللغة العربية الطبيعية بالحاسب الآلي.
إنجازات خالدة:
حصول شركة صخر على 3 براءات اختراع من مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية في مجالات:
التعرف الضوئي على الحروف، الترجمة الآلية من العربية للإنجليزية، والنطق العربي.
إنشاء العديد من مراكز التدريب في الدول العربية.
المشاركة في العديد من اللجان المالية والاقتصادية المحلية والدولية.
أهم المناصب:
1969 – 1973 نائب المدير العام، صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية. 1973 – 1975 نائب المدير التنفيذي، البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية (I.B.R.D) واشنطن.
1975 – 1979 مؤسس ورئيس مجلس إدارة بنك الكويت الصناعي.
الجوائز:
– جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام 2021.
– جائزة الدولة – المجلس الوطني للثقافة بالكويت 2018.
– جائزة World Summit Award من ستيبان ميسيتش رئيس جمهورية كرواتيا، ليونيل فرناندز رئيس جمهورية الدومينيكان، وألفريد جوسينباور، المستشار الاتحادي لجمهورية النمسا في احتفالية القمة العالمية 2007.
– جائزة «الاحتواء الإلكتروني» (E-Inclusion) التي منحت لبرنامج «إبصار» للمكفوفين من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات 2007.
– الجائزة التقديرية الكبرى ضمن جوائز التقنية العربية خلال معرِض جيتكس 2005.
– جائزة الرواد من مؤسسة الفكر العربي 2004.
– جائزة صاحب الرؤية الإلكترونية 2002 تقديراً لإنجازاته في مجال صناعة البرامج العربية من قبل مدينة دبي للإنترنت وشركة «أريبيان بزنس».
– جائزة أفضل منتجات – معرِض كومدكس مصر 1998.
– جائزة منتدى النجاحات الخليجية 1996.
تتقدم شركة صخر للحاسب بخالص العزاء والمواساة إلى عائلة الفقيد وذويه، وإلى جميع محبيه في الوطن العربي والعالم الإسلامي. نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
مؤلفاته:
نشر الشارخ أول قصة كتبها، وعنوانها: (قيس وليلى)، في المجلة الستينية الطلائعية جاليري، سنة 1968، وكان عمره آنذاك 26 عاماً.
وله ثلاث مجموعات قصصية (عشر قصص)، نشرت عام 2006. و(الساحة)، نشرت عام 2012. و(أسرار)، نشرت عام 2017. ورواية (العائلة)، نشرت عام 2018.