لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته خلق كثير صعق المثقفون بالخليج على وقع رحيل الأستاذ محمد خلف المزروعي، الذي شكل خلال العقد الماضي علامةٍ فارقة في التراث والثقافة من خلال عمله مسؤولاً عن هيئة التراث والثقافة في أبوظبي، ثم مستشاراً للثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي. السمعة الطيبة التي رسمها الراحل الكبير عصية على الوصف، لقد افتقده حتى الذين لم يرونه يوماً، لكنهم حسوا بأثره، فما بالك بمن عرفه حق المعرفة؟! لقد كان الراحل الذي كان يفضل كنيته “أبو خلف” على ألقاب مناصبه، قطب الرحى في مشاريع أبوظبي الخلاقة التي تبناها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فكرياً وثقافياً وفنياً، خلافاً للعناية بالتراث والترجمة. لقد اقتربت منه، وعملت معه، فوجدته داعماً لكل فكرة مميزة، متبنياً لكل مشروعٍ يخدم الثقافة العربية، ويعزز مكانة أبوظبي ودولة الإمارات في خارطة العالم. من الصعب جداً رثاء صديق كبير كالراحل المزروعي. اهتم بالمثقفين والشعراء العرب والخليجيين، فتح لهم قلبه قبل أن يفتح مجلس منزله، حتى يحس الزائر لبيت أبي خلف أن العشرات من رواد المجلس اليومي من المثقفين والشعراء هم أرباب البيت ومالكوه، والمتصرفين فيه. كان كما يروي الأستاذ سلطان العميمي يرفض أن يشكره أحد في وسائل الإعلام نظير مواقفه ودعمه وكرمه، كان يرجو الأجر من ربه، وكان يهدف إلى عمارة وطنه، لقد كان رجل دولة بامتياز، له ولاؤه المطلق لوطنه، أحبه الكل، لأنه كان نسمة خير ومحبة ورسالة ثقافة وسلام. يمنّ الله على بلدان العالم بشخصياتٍ ملهمة استثنائية تكون معلماً من معالم البلاد، والحق أن محمد خلف المزروعي كان من هؤلاء. لقد رأيته دوماً شهماً كريماً مبتسماً لديه شغف لا ينطفئ لصالح بلاده، لقد كان مؤمناً بالنظرية المثمرة التي تمثلت بالآتي: نحتفظ بجميل تراثنا، ونستعين بجديد ومفيد تراثهم، فاهتم بالأدب والفكر والشعر، وأراد أن تكون الثقافة خبزاً يومياً للإماراتيين جميعاً، ولا تكاد تجد كاتباً أو مثقفاً أو روائياً إماراتياً إلا وللراحل إسهام في تشجيعه ودفعه نحو إتمام المهمة والصعود نحو القمة. هذه بعض محاسنه، وفي مقدمتها الكرم، فقد كان كريم النفس والوقت والبذل والأخلاق، وأجزم أن آثار بَذْلِه ستظهر يوماً بعد آخر. لقد جعل الراحل من دوره الثقافي نبراساً للدول الأخرى، حيث معارض الكتب والاهتمام بالأدب والشعر، وأسس لمهرجانات صارت قبلةً لكبار المثقفين والفنانين والأدباء في العالم يستقطبهم في أنشطة أبوظبي التراثية والثقافية والفنية. إنه رحيل مُرٌ ، وإن القلب ليحزن على فراق محمد خلف، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فالحمدلله على ما أخذ، والحمدلله على ما أعطى. لقد صدق المتنبي حين قال: يدفنُ بعضنا بعضاً ويمشي**أواخرنا على هام الأوالِ عندما تُصدم لرحيل صديقٍ شهمٍ وأنت بعيدٌ، إذ تلقيت النبأ وأنا أهبط إلى أستراليا، فإن الفقد يصبح أمرَّ وأصعب. أعان الله أهله وأحبابه، وما أكثرهم على فقده، ورحمه الله هو ورفيقه الفندي المزروعي. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كاتب وإعلامي سعودي
جميع الحقوق محفوظة 2019