هل يمكنك بناء قصر شامخ من دون أن تكون الأرضية سليمة، ومن دون أن تكون مهيأةً بشتى السبل لأي إنجازٍ يُهَم بالبدء به؟! بالتأكيد هذا مستحيل! لهذا فإن الفساد عبارة عن خسف كبير لأي بناءٍ مشيد، والفاسد الذي يسرق إنما يحفر ضد البناء، ويواجه تيار التنمية والتطور. في السعودية قالها الملك عبدالله بوضوح إن هناك “فساد” وإن هناك “مشاريع ما بيّنت”، بمعنى أن المشكلة معلومة ومعروفة، ومن الجميل أن يتم الأمر بتأسيس هيئة لمكافحة الفساد، من أجل تخويف من في جيبه مثقال ذرةٍ من فساد. وسررتُ بالإعلان عن أرقام الإبلاغ عن الفاسدين في السعودية.
جاء في الخبر: “أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عنوان مقرها الرسمي في مدينة الرياض الواقع على شارع العليا العام في حي الغدير، كما أعلنت رقم هاتف الاتصال الموحد ورقم الفاكس الموحد والعنوان البريدي، وأكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد بن عبدالله الشريف أن الهيئة تحرص من خلال الإعلان عن موقع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأرقام الهاتف والعنوان البريدي إلى تقوية علاقتها بالمواطنين وتسهيل عملية التواصل معهم”!
قلتُ: هذا الإعلان له إيجابياته الكبيرة، وسيخدم الكثير من الموظفين الذين يرون السرقات أمامهم في المؤسسات والدوائر الحكومية، لكن لا ننسى أن هناك من الفاسدين من لا تتم رؤيتهم بالعين المجردة. أذكّر فقط بقصة القاضي والجني التي تحدثت عنها حلقة من “طاش” في رمضان المنصرم. حيث تمت محاسبة الذي سرق “آلة كاتبة” متهالكة، ونجا الذي سرق مئات الملايين من الحكم والمحاسبة. والمشكلة أن الهواتف هذه ستعثر على الفاسدين “الأسماك” لكنها قد لا ترى الفاسدين “الحيتان”. لهذا أتمنى من الهيئة استلهام توجيهات أبومتعب الذي أسس هذه الهيئة للجميع، وأن لا تشتغل الهيئة على فاسدين من المجتمع دون آخرين!
قال أبوعبدالله غفر الله له: إن الفساد يحتاج إلى منظومة رقابية متكاملة، من بينها الإعلان عن رقم نعم، لكن الأهم أن تكون آلية الرقابة جادة وواضحة وأن تحاسب الفاسدين بنفس المستوى والحزم. نأمل ذلك!