وضع هاتفه الجوال من طراز نوكيا المزود بكاميرا والمجهز حديثاً للتعاطي مع آخر خدمة توصلت إليها التقنية الحديثة للاتصال الثنائي المرئي من الجانبين، بعد ان استقبل رسالة MMS تمتم حيالها: هذا المقطع المرئي ليس كئيباً، لكنه ليس داعياً للمتعة بالدرجة التي يتصورها المرسل!
رفع هاتفه الموبايل الآخر الذي كان يصطف بخنوع إلى جانب جوال ثالث، ليلعن بعدها هذه التقنية التي باتت تُنَغّصُ عليه حياته الهادئة التي يعتقد أنها كانت ترفل بصنوف الدَعَةِ وأنواع التؤدة قائلاً: قاتل الله التقنية الحديثة التي قتلت جمال بساطتنا!
لم يتذكر صاحبنا أنه قبل دقائق أنهى مكالمة بنكية حقق فيها أرباحاً غير متوقعة من صفقة يفصل بينه وبين مكان إبرامها آلاف الكيلومترات!
اتصل به مكتبه، فأمضى أعماله اليومية التي كانت لا تتم إلا بحضوره، وحسمه بين أطراف المتنازعين في جمهور من يديرهم.
عاد إلى سابق حديثه: لم يعد للإنسان مزيد خصوصية بعد أن أصبح الهاتف المتنقل يبث إليه هموم أناس كان بمعزل عنهم بمجرد أن تم تصنيفه مسافراً!
قبل أن يُتِمّ حديثه، كان يتحدث إلى مدير مدرسة ابنه عن ضرورة أن يتم التعامل مع الولد باعتبار كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة…
٭٭٭
هذا الصنف من الناس كثيرٌ بيننا، وهم إن لم يطابقوا الحالة السابقة بحذافيرها، يتماهون معها…
إنهم يذكرونني وإن بشكل مختلف بالحديث الشريف:«من قال هلكَ الناس فهو أهلكهم». وفي تفسير حديث مسلمٍ هذا، أن أهلكهم بمعنى أشدهم هلاكاً، وقيل: سبباً لهلاكهم.
تذكرت وأنا أتأمل الفكرة ما شاهدته في ساحة الفناء في وسط مدينة مراكش المغربية المتسربلة بالتراث، والممتلئة بآلاف الأوروبيين الذين يزورونها كل شهر مشكلين احد اهم عناصر اقتصادياتها، حيث لمحت لوحة كبيرة كتبت على أحد اهم المقاهي وسط المدينة، وفيها: هنا يتم التقدم للقرعة الأميركية.
قال لي صاحبي المغربي: إنها التقدم للاقتراع للحصول على الجنسية الأميركية. كنت خلال إقامتي في المغرب أقرأ بشكل متواصل الصحف المغربية المختلفة التوجهات، والمتباينة الأشربة، وكانت تُجمع على لعن أميركا، والتبرؤ من الثقافة الأميركية. إنها ذات الدولة التي يحاول صاحب القهوة الشعبية أن يزيد مرتاديها من خلال الإعلان عن فرص الهجرة إلى الدولة الملعونة!
اللهم احفظ لنا التقنية، وزدنا سعادة بمخترعات تقرب بعدنا الجغرافي ممن نحب، وتجعل الأرض كراحة يد أحدنا تواصلاً، واكفنا شر تناقضنا يا رحمان!