كانت الطفلة غير قادرةٍ على المشي، تستعين بعربتها التي تقلّها إلى أماكنها الرئيسية، وحين تذهب إلى المستشفى يستغرق الموعد ساعتين، يأخذ والدها أحد الكتب التي استعارتها والتي تتحدث عن قصص الكفاح ثم يقرأ عليها القصة حتى ينتهي موعدها في العيادة. استمر الحال على هذه الطريقة، إلى أن جعلت الطفلة من روح قصص الكفاح مصدراً لشفائها، وبعد طول علاج تماثلت للشفاء، وهي تخطو خطواتها الأولى كانت القصص التي قرأتها تمر على ذاكرتها كطيف جميل. تعلم جيداً أن القوة الروحية هي مصدر القوة الجسدية، كانت الطفلة ممتنة لمكتبة مدرستها التي استعارت منها أجمل القصص التي أحيتها.
تلك القصة من أحد الأفلام تعبر عن روح الإنسان وعصاميته، وتوضح أن القصص التي نستمع إليها في الصغر لا تموت في أذهاننا، ولا تتبخر منها، وإنما تبقى فيها حيّةً، منها ما يدفع نحو التجدد والقوة ومنها ما يثبط الهمة ويدفع نحو القناعة السلبية والكسل.
لنتذكر قصص جداتنا التي كنا نستمع إليها ونحن في حالة استمتاع، كان بعضها عن تاريخهم هم وأساطير كفاحهم من أجل لقمة العيش، وأخرى عن القصص التي تتناول الأمن وقطاع الطرق، والبعض منها يتحدث عن العاشقين والمحبين وأحاديث الغرام في بلداتهم، كل تلك القصص تحيي وتثري، تتحول إلى وقودٍ داخل أرض التفكير والوعي فتؤثر علينا وعلى تصوراتنا للأشياء والحياة وأساليب العيش.
والقصص التي يستمع إليها الصغير، سواء عبر كتاب أو مشافهة، تضيف إلى وعيه، وإذا كانت الأفكار الأكثر تأثيراً تلك التي نظنّ أننا نسيناها؛ فإن القصص الأكثر تأثيراً ورسوخا في سلوكنا وتركيب وعينا تلك التي نظنّ أننا تلذذنا بها فترةً ثم تبخرت.
عبر القصة تلقن الجدة أحفادها معاناة جيل وكفاحه، مع كل شيء، مع الخوف والجوع والمرض، حتى سار الأبناء إلى هذا الواقع الذي يعيشونه، غير أن الكفاح لا يجب أن يموت أو أن يتوقف.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لتكن القصص التي يسمعها الأبناء أو الأحفاد محفزةً على القوة، وأن لا تكون الحكايات المروية خرافية، لا تتجاوز الجنّ والعفاريت، بل أن يوثق الجيل السابق ذكرى حياته، وعصارة تجاربه من خلال القصص المكثفة التي تؤثر وتلهم، وتغرس وتبني، لا تلك التي تزهق وتثبط.
بالفعل في القصص قوة، بدليل تلك الفتاة التي استعانت على التشافي من التعب بالقوة والصبر والتجلد، وهذه الصفات هي التي تجعل للعلاج قيمة، وللكفاح طعماً.