بعد أن كتبتُ مقالتي التي كانت بعنوان: “اردعوا المتحرشين بالنساء” أرسل لي أحدهم كلماتٍ تعبر عن استغرابه الشديد من الفكرة، وحجته تتلخص بالآتي: “لطالما دعوتم إلى إخراج المرأة من بيتها، واليوم تدعو إلى ردع المتحرشين بها”. هذه اللغة أظن أن الكثيرين يستخدمونها ضد الدعاة إلى مجتمعٍ طبيعي. بالتأكيد أنني أدعو إلى أن تكون المرأة مشاركة بشكل طبيعي في المجتمع، تعمل وتدرّس وتعالج وتبيع وتستثمر، هذه الفكرة لا تتناقض أبداً مع إلحاحنا على وضع قانون للتحرش. عمل المرأة حق والاعتداء عليها جريمة، والقانون هو الرادع، لأن القانون يحجّم من بربرية الإنسان ويلجم وحشيته.
قوانين التحرش هي التي ضبطت حركة المرأة في الولايات المتحدة، وفي بعض الدول الأخرى.
عقوبة التحرش في بعض هذه الدول تصل إلى أربع سنوات، وأخرى تصل إلى خمس، وحسناً فعل المصريون حين طالبوا برفع عقوبة التحرش إلى خمس سنوات، هذا بما يخص التحرش بالنساء، أما التحرش بالأطفال فيصل حد الإعدام. هذه هي العقوبات الملحة والتي تردع كل متحرشٍ من أي فعلةٍ يقوم بها.
في بريطانيا عوقب المتحرش بالسجن لمدة أربع سنوات، أما في السعودية فالعقوبة لا تزال ضعيفة، على سبيل المثال في يوم السبت 22 يناير من سنة 2011 أصدر أحد القضاة حكماً على أحد المتحرشين يقضي بتكليفه بقطع الأشجار لمدة شهر! الحكم صدر عن محكمة محافظة “بدر”. مثل هذا الحكم السلس السهل هو الذي يجرئ بقية المرضى بذواتهم على التحرش.
ابتكر الإنسان القوانين والنظم من أجل تقليم أظفار رغباته الخاطئة وتهذيبه وتمدينه، وهذه هي مهمة القانون الأولى أن يهدّئ من الغليان الخاطئ الذي تسببه النزعات والرغبات السيئة التي لم تقمع. والتحرش مرض نفسي وذاتي طارئ ينبني على سلوك فيه الكثير من السلوكيات الحيوانية التي لا تمتّ إلى الأخلاق بصلة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: نبدأ بالخروج من مأزق التحرش وانتشاره من خلال القوانين الرادعة، أما إذا أصبحنا نحارب التحرش بقصّ الأشجار، أو تغسيل السيارات فإننا نواجه الظاهرة المستفحلة بأسلحةٍ قانونية ضعيفةٍ هشّة! وبينما مصر تشرع برفع عقوبات التحرش، وكذلك فعلت الدول الأخرى؛ لا نزال في حيرةٍ من عقوبة المتحرش، بين من يسجنه شهر، ومن يكلّفه بقصّ الشجر!