شاب في النصف الأول من العشرينات اسمه محمد بن حمد بن خليفة استطاع أن ينال شرف استضافة دولته لبطولة كأس العالم، كان على قدر المسؤولية، وحينما أعلن الفوز القطري بالاستضافة هبّ الأب لحضن ابنه العشريني، الذي لم يكن كغيره من الذين ركنوا إلى المنصب و”الترزز” بل قام بجولات وخطط مكوكية واستراتيجية من أجل أن يحصد استضافة الكأس ليختطفه من بين عيون الأميركيين. شاب يتحدث بلغاتٍ ثلاث، ليثبت أن الشباب المؤهلين هم الذين يصنعون الفرق، وأن عقدة “فلان صغير” لا تزال واهية ومدحوضة بقوة الإنجازات التي يتحفنا بها الشباب كل يوم.
كان العباقرة في كل مكانٍ يحوزون على نجاحات كبيرة وهم في سنّ مبكرة، البعض يشترط أن تكون كبيراً لتكون مبدعاً وعظيماً، صارت خطوط الشيب شرطاً للإبداع والتألق، وكلما برز فنان تشكيلي أو شاعر أو كاتب أو مهتم بأي أمرٍ من الأمور أو تخصص من التخصصات إلا ويبادرونه باللمز المعروف والدارج: “إيه فلان … صغير”! لكن محمداً فاجأنا وفاجأ العالم بطموحه الذي تحقق أخيراً!
يذكرني الذين يدعون أن الشباب العشرينيين هم من الصغار بأغنية أبو بكر سالم بلفقيه: “عادك إلا صغير”! يعني لم تزل بعد صغيراً على أن تكون مبدعاً! بحضور الشاب محمد والمرأة موزة، أثبتت المناسبات الرياضية العظمى أنها ليست فقط حكراً على الشيوخ مثل “بلاتر”. بل إن محمداً يعبّر عن الشباب الذين هم أغلبية المشجعين لكرة القدم، وهذا من نجاحات القطريين، تخيلوا أن مسناً مثل الرئيس الأسبق “بيل كلينتون” هو من يستقطب الناس والعالم لإقناعهم بضرورة أن تكون دولته هي المستضيفة لكأس العالم! ستكون نتائج نجاحاته أقل بكثيرٍ من نتائج سعي الشباب… وهيهات، وما أجمل الشاعر العربي حين قال:
ليت، وهل تنفع شيئاً ليتُ ** ليت شباب “بوع” فاشتريتُ!
قال أبو عبدالله غفر الله له: بالأمس كان الجميع يترقب بقلق لحظات الإعلان، ولحسن الحظ كنتُ أوقّع كتابي “جوهرة في يد فحام” في الدوحة، رأيتُ نظرات الناس، كيف كانوا يسعدون بمثل جهد دولتهم وهي تحاول أخذ هذه الدولة الصغيرة نحو الطموح لتكون الدولة العربية والإسلامية الأولى التي تستضيف مثل هذه المناسبة الكبيرة. رأيتُ الدموع، والأهازيج في الدوحة والفرح منقطع النظير بهذا الفوز المبهج لدولة مثل قطر شقّت طريقها بجرأة منقطعة النظير، قطر دولة صغيرة الحجم قوية العزم، استطاعت أن تكون أول دولة عربية وإسلامية تفوز بهذا الإنجاز… باختصار؛ علّمتنا قطر أن الطموح لا حدود له، وأن الإصرار يحقق المستحيل، وأن التأهيل يصنع الأفاعيل!