لا زال في بقايا الذاكرة أن المسلسلات المصرية التي كانت تمثل حقباً تاريخية تتحدث عن البعثة النبوية، كانت تقدم أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تُظهر نوراً مشعاً من بيت يظهر من بابه رجل متحدثاً بفصحى مشوبة بمصرية: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا!
الفكرة تقوم على أنهم كانوا لا يستطيعون بطبيعة الحال تمثيل شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام فيتحايلون على ذلك بهذا الشكل.
لا أدري لماذا قفز هذا المشهد إلى ذهني في أعقاب المساجلات الساخنة التي أفرزها نشر صحيفة “الصن” اللندنية صوراً شخصية للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وهو في غرفة سجنه التي يحتجزه فيها الأميركان.
الصور كانت لصدام وهو يغسل ثيابه، وأخرى وهو في ملابسه الداخلية، وثالثة وهو يغط في سابع نومه.
وانقسم القوم إلى فسطاطين أحدهما يرى أن في الصور إهانة ما بعدها إهانة لكل ما هو عربي، وأن في ذلك استمراراً لمسلسل إذلال ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا ورموزنا وقيمنا، وقائمة طويلة من هذا الكلام الذي نسمعه في أحاديث المثقفين، وفسطاط آخر رأى أن هذه نهاية الظالمين الطبيعية، وأن ذلك مصير من طغى وتجبر وأكثر في الأرض الفساد.
وإلى الفريق الثاني كان ينتمي بائع الصحف الذي قابلته في القاهرة وهو يقلّب صحفاً فردت الصور موضع الجدل، ويقول بلهجته الدارجة: ذق ما أذقته غيرك، فمن قدّم السبت لقي الأحد!
تخيلت امتداداً لتعليق البائع القاهري أن صدام حسين كان يجبر شعبه على غسيل ملابسهم قسراً، وعلى النوم على الوسائد، أو حتى على السير في منازلهم وداخل غرفهم المغلقة وهم يرتدون سراويلهم الداخلية! وأنه كان يعاقب من لا يتجول في غرفته بملابسه الداخلية بالحبس أسبوعاً، ومن لا يغسل ملابسه بالسجن أسبوعين، فإن غسلها بلا صابون خفضت العقوبة إلى عشرة أيام!
وهنا مكمن عجبي، فالصور في تقديري رغم خصوصيتها، وبعيداً عن الجانب الأخلاقي في موضوع نشرها، صور طبيعية جداً، وليس فيها أي إذلال لجهة نوعية الممارسة التي كان يقوم بها صدام. فمن منا لا ينام؟ أو من الذي لا يسير في غرفته بملابسه الداخلية؟ أما غسيل الملابس فهو أمر طبيعي، لكل من لم يدمن القذارة، ويقوم بالغسيل كل من ليس لديه غسّالة ثياب أوتوماتيكية، أو من لا يستطيع الوصول إلى مصبغة مجاورة!
بدا لي لوهلة أن الغضبة المضرية التي ثارت على نشر الصور كان خلفها وكلاء الغسالات الأوتوماتيكية لأنهم توقعوا أن صورة صدام وهو يغسل ملابسه يدوياً قد تؤثر على مبيعاتهم، وأن سيدات البيوت سيفتن بالنموذج الصدامي للغسيل ويُلقين بغسالاتهن الآلية في الشوارع بعد مظاهرات حاشدة!
الإشكالية في المقام الأول هي في نظري إشكالية ثقافية، ففي الوقت الذي يراهن الساسة الغربيون على كسب أصوات الناس من خلال القيام بأفعال تظهرهم جزءاً من عامة الناس، تقوم العقلية العربية على اعتبار أن الزعماء – حفظهم الله- يجب ألا يغسلوا ملابسهم!
يجب على الغرب أن يشكر صدام حسين، لأنه قدّم لهم أفكاراً جديدة لكسب التعاطف الشعبي، ولو نشرت هذه الصور قبل انتخابات بريطانيا الأخيرة لربما رأينا توني بلير في حملته الانتخابية يغسل ربطة عنقه في طشت يشبه ذاك الذي غنت فيه نانسي عجرم… آه ونص!.
جميع الحقوق محفوظة 2019