قبل سنوات كان أحد أصدقائي يحدثني عن رحلة أثيرة قام بها مع ثلة من اصدقائه الخُلّص. قال لي ان الرحلة كانت مع مجموعة من أصدقاء المراهقة، وانها كانت غاية في المتعة، فقد استمتعوا حتى الثمالة بكل ما وجدوه في البلد الذي قصدوه. كان في تفاصيل حديثه عن الرحلة أن وضع أعضاء الرحلة المادي كان ضعيفاً، فقد كانوا طلاباً، وقد كانوا يضعون القرش على أخيه حتى يأكلوا أكلة لم تكن مترفة، ولكنها كانت تقيم الأود، لكن ذلك كله، لم يمنعه من أن يتحدث عن تلك الرحلة بنشوة منقطعة النظير.
المفارقة أن ذات الأصدقاء، قاموا بعد أكثر من عشر سنوات وبالنظر إلى ان طعم الرحلة بقي في حلق كل واحد منهم، بتكرار التجربة. كانت أوضاعهم المالية قد انقلبت مقارنة بما كانوا عليه، رأساً على عقب، فطلاب الأمس تحولوا اليوم إلى رجال أعمال، ومدراء لشركات كبرى، وبات دخل أحدهم في اليوم يعادل مجموع دخل كل أعضاء الرحلة الممتعة في الشهر!
النتيجة أن ما كانوا يبحثون عنه عندما كرروا تجربة الرحلة إلى نفس البلد، لم يجدوه بعد سنوات!
هل لأن الدنيا تغيرت؟ أم لأنهم هم تغيروا؟!
لم أجد أنا ولا محدثي إجابة قطعية، على السؤال، لكني خلال الأيام القليلة الماضية وقفت على ما أحسبه تفسيراً للحادثة التي تمر على كل أحد منا، وإن في صور مختلفة، وحالات متباينة…
كاتبنا الجميل سمير عطا الله، وأنا بالمناسبة من محبيه ومتابعي ما ينثره من جمال يومي من خلال مقاله، كتب قبل أيام: ان قول المرء أن الرجل لا يغطس في النهر مرتين، لأن مياه النهر جارية باستمرار ولا يمكن أن تكون نفسها مرتين.
أما الدكتور ت. بيرم كرسو، الطبيب والمعالج النفسي والمؤلف والمحاضر في علم السلوك فقال في كتابه سكينة الروح أن هيراكليتوس يؤكد أنه لا يمكن لأحد أن أن يخوض في مياه النهر ذاته مرتين ، لأنه ما من شيء يتكرر ذاته مرتين. ويضيف الدكتور كرسو: فلا يمكن لأحد أن يخوض في مياه النهر ذاته مرتين ليس لمجرد أن مياه النهر تتدفق وتتغير، بل لأن الانسان الذي يخوض في هذه المياه يتغير هو أيضاً باستمرار.
كنت أتحدث بذات الفكرة إلى بعض الأحباب، فقال أحدهم: يتغير للأفضل، أم للأسوأ؟!
وأجيب بأن كلا الحالتين واردة. والحكم بقطعية الأفضلية او ضدها لما يتغير حكم نسبي ومتباين من شخص لآخر…
كل تجربة مختلفة عن غيرها، وهي مستقلة وذات طعم مختلف. ومن أراد تكرار التجربة دون أن يفطن للتغير، فقد اخطأ في تقييم الأشياء، فالعرب تقول:
ومكلف الأشياء ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار