من الخطأ أن نفهم المجتمعات على أنها متشابهة في كل الظروف. تونس مرت بظروف مختلفة، وليست الفكرة في أن يحرق إنسان نفسه ليشتعل الشعب ويعدل من خياراته. بل إن المجتمعات تمر بظروف كثيرة خاصة تختلف بها عن المجتمع الآخر مهما كان مجاوراً وقريباً ومشابهاً. وحينما أحرق “بو عزيزي” نفسه في “سيدي بو زيد” لم تكن حادثة الحرق هي البداية بل كانت تتمة لحلقة الاحتقان التي عاشها المجتمع مع الفساد والمحسوبيات ونهب خيرات البلاد.
قبل أمس، حاول مواطن مصري حرق نفسه أمام مجلس الشعب، يعتقد أنه بالاحتراق سيغير النظام الحاكم، أو سيشعل الثورة التي لا تطفئها يد، لكنه لم يجن من إحراق نفسه سوى التعب والألم ولم يحرك ساكناً لأن ظروف المجتمع المصري ليست مثل ظروف المجتمع التونسي حتى وإن حضر الفساد والمحسوبيات في المؤسسات المصرية. الاحتراق أيها السادة ليس بقتل النفس وإشعال الأجساد بالبنزين. الاحتراق الأفضل أن يتحول المواطن إلى شخص مثمر لوطنه، أن يكون إنساناً فاعلاً إيجابياً محباً للخير والناس، وألا يظلم أحداً، وما أجمل من قال: “كن أنت التغيير الذي تريده لمجتمعك”، لو أن كل إنسان غير نفسه، وطورها لأثمرت المجتمعات وأينعت حتى بعد طول زمن.
ذكرت صحيفة “اليوم السابع” المصرية على موقعها الإلكتروني: “أن المواطن يدعى عبده عبدالحميد “49 عاما”، ويملك مطعما في مدينة القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية، وقام بمحاولة الانتحار احتجاجا على عدم تسلمه لكوبونات الخبز المدعم لتشغيل مطعمه”.
وذكرت الصحيفة: “أنّ بعض المارة الذين تصادف وجودهم فى المكان سارعوا إلى الرجل محاولين إنقاذه، وتمكن سائق سيارة أجرة من إخماد النار بعد أن استخدم طفاية الحريق الخاصة بسيارته، وتم استدعاء سيارة الإسعاف التى نقلته إلى مستشفى قصر العيني”.
قلتُ: سيناريو تونس لا يمكن أن يتكرر في بلدانٍ أخرى بسهولة، لكنه قد يتكرر في حال استمرت الشعوب على احتجاجها، لكن الذي أحب أن أوضحه وأؤكد عليه أن إنهاء معاملات مطاعمنا ومتاجرنا لا تحل بالاحتراق ولا بإشعال الأجساد، بل بالمطالبة القانونية والنظامية، والنموذج التونسي يجب ألا يأخذنا عن الإصلاح المتدرج العملي حتى لا تأخذنا الحماسة بعيداً ونترك الممكن ذاهبين إلى المستحيل.
هل يمكن استيعاب صرخات الشعوب؟ نتمنى ذلك!