من بين مشاكل المجتمع في التعامل مع الطفل أنه يشعره بالرغبة الأبوية بأن يكون الطفل كبيراً بأسرع وقت ممكن. إن تحقير الطفل يحوله إلى كائن متعطش لأن يكون كبيراً، ظنا منه أن التحقير شأن مختص بالصغار، وحينما يكبر يكتشف أنه بدد مرحلة الطفولة التي لا تعود في تقليد الكبار، ويكتشف أن التحقير عادل بحمق بين صغير وكبير. من الضروري الاعتراف بكينونة الطفل وألا نجعل من ثقافة الشخص الكبير تجتث إنسانية الطفل وتحوله إلى كائن مقموع يريد أن يتحرر عبر التمثيل بأنه كبر.
بعض الأسر تحاول أن تكبّر الابن عبر إلزامه ببعض العادات الخاصة بالكبار. وهو خطأ فادح أن ننسى حق الطفل أن يكون طفلاً. بعض أولياء الأمور يجبر الطفلة على أن تتحجب مع أنها في الشريعة ليست مكلّفة ولم تبلغ سنّ التكليف. نفس الشيء مورس على الأطفال في بعض الفعاليات الصيفية من عزلٍ بين الصغار والصغيرات، وهذا ما حدث في العام الماضي بكل أسف. الممارسات الخاطئة التي تمارس بحق الأطفال أكثر من أن تحصر. هناك طمس لمعالم الطفولة يكاد يهدد نسيج المجتمع، لأن الأطفال هم الثروة الكبرى في الحياة.
من مظاهر طمس الطفولة الحماس في تجنيد الأطفال وتوظيفهم للأيديولوجيات المختلفة أياً كان اتجاهها، وهو توظيف نجده في بعض البيئات المتطرفة. ولا أجد وصفاً أدق من وصف الكاتب الليبي “الصادق النيهوم”، حينما قال: “الطفل في ديموقراطيتنا المطوعة، مواطن مسؤول، ينشد الأناشيد الحماسية… قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره، إنه محروم من حقه الشرعي في أن يكون طفلاً، ومحروم من حقه الشرعي في ألا يهتم بما لا يعنيه، وملزم بأن يتجاوز طفولته، ويصبح دائماً أكبر من عمره، لكي يرضي والده ومعلمه اللذين يعتقدان، لسبب يعلمه الله، أن الطفولة أمرٌ مشين”!
قال أبو عبدالله غفر الله له: المفكر الليبي الصادق النيهوم من أوائل التنويريين الناقدين للثقافة العربية منذ الخمسينات من القرن الفائت وها هو يطرح ضرورة إعادة الاعتبار للطفل، فأول حقوق الطفل أن يكون طفلاً، وألا يُستعجل في إحراق مرحلة الطفولة ليكون كبيراً، وكذلك الطفلة التي تصر العائلة على أن تجعلها كبيرة بأسرع وقتٍ ممكن، بحيث يلبسونها الأردية التي لا تصلح إلا للكبيرات. أيها السادة الكثير من التعامل الطفولي مع الأطفال، والقليل من التكبير القاتل للأطفال الأبرياء.