من الغرائب أننا أحيانا وفي بعض الآراء نسير إلى الخلف، نبتعد عن الرؤية العصرية إلى الرؤى الغريبة.
في تصريحٍ للدكتور محمد الخزيم، نائب رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، قال فيه: “إن الرئاسة قد تفكر في إنشاء مسار خاص للنساء، على غرار المسار المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة”! مع أنه يعلم وذكر ذلك في تصريحه أن هذا الإجراء لم يمر على المسلمين طوال تاريخهم. الحرم المكي كان طوال تاريخه متاحا للجنسين من دون تمييز، في المطاف والمسعى، الفرق أن النساء يتأخرن في صفوفهنّ، أما الفصل بين الطائفين والساعين على أساس الجنس، فإن هذا يعد رجوعا إلى الوراء لغرس ثقافة الشك بين الناس.
الغريب أن الدكتور قرن بين “النساء” و”ذوي الاحتياجات الخاصة”! وليته ذكر السبب. لأن المرأة كانت ولا تزال شريكة في العبادة وفي الواقع حتى على زمن النبوة. ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله عليه السلام ذهب إلى قبا يدخل على أم حرام ـ أخت أم سليم ـ فتطعمه، فدخل يوما فأطعمته فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وفي رواية الليث فنام قريبا مني ـ ثم استيقظ يضحك وهي تغسل رأسها، فقالت يا رسول الله أتضحك من رأسي؟ قال: لا، ولكن ناسا من أمتي عُرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر مثل الملوك على الأسرّة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا.
يعلق الدكتور راشد المبارك على هذا الحديث في ص33 و34 من بحث لافت حول “الاختلاط” نشره ضمن كتابه: “من قضايا المجتمع السعودي” قائلا: “والجدير بالذكر أن أم حرام هذه ركبت البحر مع الغزاة الذين جهزهم معاوية في إمرته على الشام في خلافة عثمان في السنة الثامنة والعشرين للهجرة، أو الثالثة والثلاثين.. وقد جاء في بعض روايات الحديث أن أم حرام كانت تفلي شعر رسول الله”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بمعنى أن إعادة قضية المرأة، وعودتنا إلى الوراء في التمييز ضدها إنما يعبر عن تقهقرنا في رؤية العصر واحتياجاته ومتطلباته. لتكن المرأة في الحرم كما كانت في السابق، من دون أي تمييز محدث، ولا أظنّ أن هذا القرار سيكون عمليا ولا مقنعا، ولا مقدّرا لإنسانية البشر، والبعد بهم عن مواطن الشك من خلال هذا الفصل والعزل.